خواطري

وارتحل مُحمّد

وانقسَمت الأمّة، وانشطرت وتحوّلت الحياة من جديد، فبعد أن غيّرها (مُحمّد) صلى الله عليه وآله، ها هيَ تتغيّر وتضع الأمّة في منعطفٍ جديد، الامتحان الجديد كان قاسياً مليئاً بالشجن، ورُسِمَت لوحة البُكاء إلى الأبد، وتاهت خارطة ديار المسلمين، فلا وطن والكُل أصبح يعيش في منفى، الطيور مشنوقة تحت كبد السماء، والأطفال حيارى يأكلون من رغيف البُكاء، وفاكهة من أسى، فمُحمّد (صلى الله الله وآله) ارتحل إلى بارئه.

ويسرقنا الضياع، ونتدثّر بشيء من الجفاف، فلا حرفٌ يقوى على الاستقامة ولا سطرٌ يرغب بالمزيد، فنحن ننبش في أحزان مُحمّد وآله، وكلّ زاوية تقطر دماً، فالألم لا يمكنه البقاء حبيساً في الصدور، لا بُد وأن تبكي السماء وتفجّر ينابيعه لتظهر جلياً للجميع!، والشمس تنظر بدهشة، فلا شيء يُعادل دمعة (بنتُ محمّد)، دمعتها نغمة مُسافرة، شدّت رحالها منذ استشهاد النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وإلى اليوم تبحث عن ثائر يُخلص الدُنيا من الظلم والطغيان، رحلت تلك الدمعة لتُطبب جُرح أمير الكونين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتمسح على كبد الحسن (عليه السلام) وتُغسّل جثّة قطّعتها السيوف ولعبت عليها الخيول، وتفترش لتكون أرضاً لذلك الجسد الطعين المحزوز الرأس، وتغرس نفسها في كربلاء الحُسين (عليه السلام)، وأطلقت زفرة دوّت في السماوات والأرضين، وإلى اليوم يسمع صداها مع كلّ صيحة (الله أكبر).

ذكريات بيت الرسالة ليست مُجرّد قصّة، وليست حكاية نقرأها لنعيش بعدها بكل هدوء، وليست كلمات رثاء تدخل في القلب وتخرج خالية الوفاض، بل هيَ حكايا الطُهر والإصلاح الحقيقي، فإن كُنت تريد قيادة ذاتك وتثور على الظلام الساكن في روحك، فما عليك إلا الاقتران بحياة عظيم العُظماء مُحمّد بن عبدالله (صلوات الله عليه وعلى آله)، فسيرته هيَ سيرة (الحكمة) والرواية الأعظم (للأخلاق)، فعلى الرغم من تآمر الشياطين مع أشرار بني آدم لطمس اسمه، إلا أنّ (نور الله) أكبر من أن يقدر مخلوق على اخفاءه، بقراءتك لتاريخ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) تكون قد رحلت في عالم الماضي، لتُشاهد تاريخاً نقياً مليئاً بالحقائق.

[وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ]

تأمّل وستجد الكثير ..

 ××

عظّم الله لكم الأجر في ذكرى استشهاد الرسول الأعظم محمد بن عبدالله (صلوات الله عليه وعلى آله الكرام).

خواطري

هل ستبكي الملائكة؟

ستشتعل الغيوم، وتُقرع بوّابات السماء!، وتُلثم كلّ النجوم، وتنحني الشموس، وتهرب الأقمار، فالدماء ستُلقى على قارعة الدار قريباً ..، ولا مهرب، كم هيَ هزيلة هذه الليالي، مُتخمة بالجراحات، تضطرب حيطانها وترتعش أوصالها، وما جدوى سكونها فالأرواح التي تمحنها الدفء قريباً ستَرحل مقتولة!، وما جدوى الوفاء للبَشر بعد أن رحلت فاطمة؟.

في طرقات المدينة قبل مئات السنين كان مفترق مطر، فإمّا يهطل دامياً أو يهطل يحمل رحمة ربّ العباد، وكان ما لم تألفه عقول البشر، عميقاً حاراً كأنّه حجارة، يرمي كلّ طاغوتٍ بكُتلة تكوّنت من ضلعٍ مهشوم!، فويلٌ لتلال تُخفي خلفها مُجرم، فالأرض غَداً ستُحدّث أخبارها، وتغرس النصول في ذاكرة الدنيا لتُخرج كلّ ما دُفنَ فيها، ولن يُسمح للدنيا بإلتهام قُصاصات مُلطّخة بالدماء القانية، تلك النصول الفضيّة ستجمع أعظم الكُتب والروايات لترسم على يد هذه الدُنيا (هذا ما جناه من هُم فوق صدركِ)، وستحين لحظات الخوف، ستُبنى كلّ الأجساد المُهشّمة، وستوهب الحياة للمكفوف ليرى المحبوب، وستبقى ملعونة الأرواح الشريرة وبقاياها الشاحبة المُهترئة، وستكون الأرض كقرية خاوية لا يغيّر لونها حتّى إشتعال قنديل الأرض الأكبر.

مالي لا أقدر على خلع رداء البدن يا أمّاه! مالي أغوص في نشوة العقل؟ أنا الكاتب الهارب من ساحات الحياة أبحث عن التحرر من الأغلال ولا أقدر، أريد أن أبحث عن قبر البتول الطاهرة، فأجمعُ منه أنفاساً وبعضُ بقايا الدمع، سأحمل وروداً وأرميها من بعيد، سأقبّل جبين القبر يا أمّاه، وأبحث عن قبرٍ بقربها وأُلحد نفسي فيه، أمّاه صدّقيني سنُنعِش ذكراها كلّ حين بالدمع والبُكاء والنحيب، فالموت لا يعتري الخالدين، وسنُطلق ذاك الزفير الساخن الذي يمزّق كلّ شرايين الصبر، وستغدوا كل الحَكايا [فاطمة]، ولن نأكل سوى طعام الفاقدين، ولن نتنفّس إلا مطرٌ من أنين، أمّاه هناك باب هناك طفلٌ هناك وجه هناك دم.

على عينَيَّ غشاوة، أرى ما يُشبه الضوء، أعتقد أنّه النور، ذلك النور الذي انبعث من عُمق الحق والصدق، وبعضُ سيوفٍ قادمة، وخيل من نارٍ تحمل فوق ظهرها الماء الذي جعل منه الباري كلّ شيء حيْ، يا نور المستوحشين في الظُلم، متى ترانا ونراك؟ فالغياب يُنشِد الحروف بصمتِ الحُكماء، لكنّه صمتٌ قادر على إحداث الضجّة والزلزلة وقادرٌ على نفض غبار الذكريات ولا نُفيقُ من سَكْرَةِ الكلمات، .. هل ستبكي الملائكة؟.

“عقيم الدمع لا يفقه”

خواطري

وإنْ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائِهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وارتعشت أوتار القلب، وذاب الألم في محرابه، كأس الأحزان مليئٌ بالأسى، تاريخٌ مطعون في خاصرته، ليلٌ غُرِست في عيناه آيات الوجع، تلك رائحة النار مُلقاة على الضلوع!، ألم تنتشي الآبار الحافظة للدموع؟، نَوْحٌ أبدي لا مثيل له، له رنّة في كبد السماء كلُّ يوم، سأوقد ما أجد من شموع لتَكتَحل لوْحَتي بشُعلة الغَضب.
إيّاك يا قلبي؛ لا تفرح! فأنت جزء خَطفْتَكَ لتُمارس الجنون في كلّ يوم، طقوسٌ من غيم هي طقوسك، ولا مثيل لك في هذا الكون الفسيح، ولا تسأل عن تفاصيلكُ فأنتَ خاضعٌ لي أنا وحدي، لا تُدخل من يخفي السياط في يديه أو يرفع راية النار، سلْ عن يتامى فاطمٍ سلْ عن نعش يهتز جُروحاً، سلْ على سوادٍ اعتلى عضُدَ فاطم.
لن يندمل هذا الجُرح، فهوَ مخطوط في السموات العُلا، نارٌ، مسمار، وجنين، ضرب وشجبٌ وأنين، خطفٌ وغصبٌ ورنين، مفردات سقطت في فخّ حادثة واحدة، في وطن لا شبيه له، جبينٌ طاهر لو ارتفع إلى السماء لدُكدِكتْ الجبال وساخت الأرض، مقيمٌ كإحتلال هذا الحُزن، نحتمي خلف المِداد باحثين عن قطرة تشفي الغليل، قطرةٍ من سيفِ يرتدي قميصاً مقطّعاً، مهشّم الأضلاع!.
خلفَ الباب، زُرعَ طفل الشهادة الأوّل، وأمّ النبي تمارسُ دفعَ الأذى عن جنينها لعلّها تجدُه حيّاً وتبحث بعينيها عن بعلها الأسد البَطلُ، وهناك في تلك اللحظة صرخة بغيضة أدمت الباب قبل الكون!، صوتٌ تردد بـ (وإِنْ؟!)، – لو كانت الكتابة تقودني للتغلب على الحُزن لكتبت إلى آن تُزاح الهموم من على صدر العالم، ولكنّها تقودني دوماً للبكاء على ضفاف لوحة مفاتيح تصارع أصابعي الصغيرة –، وإنْ؟ قالها وأكمل المشوار رغبة في مُلكٍ عقيم، والنار ترتمي بأحضان الباب والسقف، تنهش جسد الدار كذئب مُفترس يغرس نابئة في نهر مليئ بالملائكة!.
عظّم الله لكم الأجر، في ذكرى رحيل مولاتي فاطمة بنتُ محمّد صلوات الله عليها وعلى أبيها وعلى زوجها وعلى بنيها، حقيقةً لستُ أقوى على اقتراف الإنتحار كما يليق بعد، لذا سأكتب وأكتب وأكتب، لستُ أدري هل حروفي كأنا تموت بعد حين؟ أم ستبقى تنخر عظم الأرض؟ لستُ أدري.