أعمالي, خواطري

حكاية من مدينة النور

ظلامٌ دامس في مدينة النور، وصوت قطرات دمع تظهر من منزل تتجّه إليه الذئاب بخطوات ملؤها الحِقد ترتفع ذرّات الغُبار من تحت أقدامهم لتُغطّي نور القمر، يبحثون عن جريمة جديدة، يرغبون بنهش أجسام كلّ من في المنزل الصغير، فصوت الدمع المُتساقط مُزعج!، مليء بالمظلومية هذا الدمع ومُرعب للطُغاة، ذئاب تلَبّست بثوب البشرية، تبحث عن فريسة جديدة.

دارُ النور مُظلمة، حزينة .. مُتألمّة بفقد عظيمها وزعيمها الأكرم، وشهوة القَتل استعرت في قطيع الذئاب الذي يقترب من الدار، وعطشٌ عظيم يُصيب الجميع، فالدماء لم تُسفك منذ ليلتين، والرغبة كبيرة بإسالة بعض الدماء، ورسم لوحة اغتيال خلف الباب الخشبي، اختبأت العقول في مكانٍ بعيد، تبحث عن الخلاص من الجريمة القادمة، يتحرّك القطيع ببطء شديد، ويتهامسون بكلمات لم تعهدها مدينة النور، كلمات مُلِأت بالجريمة، ولم تكن هُناك أفكار إنسية أبداً، ومشاعل النيران بأيديهم، يُلوَّح بها، رغبة بثأر!، وطَرق الباب أحدهم، .. لم يأته الجواب الذي يبحث عنه، فبدأ السُعّار يتطاير من عينيه، ..

قيل له: كلّ النور في هذا المنزل، إهدأ!.
قال: وإن؟!

وانطلق يرَفس الباب بقدميه بقوّة، والنور يعتصر ألماً/شوقاً – للقاء عظيم المدينة الذي رحل – .. دفع الباب مُجدداً راغباً بالدخول للفتك بكلّ أشكال النور، إلا أنّ الأمْ العظيمة دافعت بكلّ ما أوتيت من قوّة، فأخذ بعصرها بكلّ وحشيّته، رغبةً بإطفاء النور، مرّة واحدة ومرّة أخيرة!، وعندما استمع إلى أنين وشاهد مسيل الدماء من خلف الباب، بدأت سعادته بالظهور علناً، فبدأ بالصراخ ..

”أخرجوا الفارس البطل“ 

كلّ الحكاية، هُنا، فبعد أن غُرس المسمار في ضلع النور، وأُسقط الجنين الغالي، بدأ الجنون يستعر في قلوب الواقفين، لم ينتصر الظلام في هذه المعركة!، هُم يريدون الدخول إلى داخل الدار، ابتعد الوحش، ولوّح بالنار المُتّقدة في السماء، ورماها اتجاه الباب، وأحرق الدار!.

بعد لحظات، كانت تجرّ الخُطى، تبحث عن ”الفارس البطل“، شاهدها قطيع الذئاب المظلم، فأرسلوا خادمهم الضبع، ليضربها على وجهها لترجع!، فلم ترجع. ودون سابقِ إنذار رفع السوط ليُفرقع فوق جسمها ويترك العلامة السوداء في عضدها!. هيَ رفعت رأسها إلى السماء وعينها المُسوَدّة بفعل الضرب .. تنظر إلى ما لا عينٌ رأت!، وتمتَمت ببعض الكلمات، فشاهدَ المُجرمون الحيطان ترتفع، كادت أن تقتلع الأرض بقوّة النور، إلا أنّها هدأت، بكلمة حنان من البطل الخالد!، وأطلقت النداء الذي يرتَدّ صداه إلى اليوم ..

” اعلموا أنّي … “ 

أفكاري

عتمة أُخرى ..

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين

           – كم ستبقينَ أيها العتمة؟
            – لستُ أدري، ولكنّي الآن هنا!
           – هل ستكونين هنا وبكامل طاقتك طوال هذا الليل؟
           – ولمَ السؤال؟

منذ الصغر كنتُ أهاب العتمة التي تغطّي تلك التي تعبث بصدري في وسط الليل، فتارة أجدني أكتب شيئاً على الورق -فيما مضى- وتارة أجد نفسي تداعب أوراق بعض الكتب المختبئة بين رفوف المكتبة الكبيرة التي تسكن غرفتي الصغيرة، أشعر بالحروف وهي تتبعثر فرحاً بأنّني وأخيراً بدأت ألامسها، وتنتقل عيني من سطر إلى آخر، والخوف يتبدد شيئاً فشيئاً والعتمة تهدأ، وقدرتها على ترك ذلك الأثر المرعب بدأت بالتلاشي، والقراءة تستمر حتّى أطراف الصباح، وعقلي يناديني،

           – ألا تنام أيها المجنون؟

وكأنّي لا أشعر بندائه، وتساؤلي الدائم هل يهبط الليل ليعطيني غطاءً من الخوف، وأجد في الأوراق سلوتي؟، حقيقة لست أدري!، وما هذا الذي أكتبه، هل هوَ إعترافات؟ أم هوَ مجرّد خربشات تأتي لتشاهدونها أيها القرّاء الأعزاء؟ مجدداً أُسمعكم همسي، لست أدري؟؛ وروزنامتي تشير إلى أنني الآن على مقربة من منتصف شهر شعبان المبارك، هذا الشهر الذي تنصّب فيه الرحمة الإلهية كما الغيث المُنهمر من خلف أطراف الغيوم، وكل الطقوس تشير إلى الغفران وأنّه عليّ أن أعلن توبتي الآن، وأترك هذه الكتب التي أسامر فيها عقلي وقلبي المَلول، كم هوَ رائع نداء ذلك العبد الذي تفنن بفنون الدعوات، وقدّم للأمّة جمعاء كلمات تنير القلوب وتشق الحجب عن العقول والعيون، مناجاة التائبين هي ما أقصد وعلي بن الحسين (عليهما السلام) هوَ من أقصد؛ “اِلـهي اَلْبَسَتْنِى الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتي، وَجَلَّلَنِى التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتي، وَاَماتَ قَلْبي عَظيمُ جِنايَتي، فَاَحْيِهِ بِتَوْبَة مِنْكَ يا اَمَلي وَبُغْيَتي وَيا سُؤْلي وَمُنْيَتي، فَوَ عِزَّتِكَ ما اَجِدُ لِذُنوُبي سِواكَ غافِراً، وَلا اَرى لِكَسْري غَيْرَكَ جابِراً”.

أريد من هذا الليل أن يكون فاتناً جميلاً، مغرياً إلى حد البكاء على رحيله!، اعتدت سابقاً على سؤال أحدهم “هل تحبّ الليل؟”، وكنتُ دوماً أجيبه بـ [نعم] لكنَّ الإجابة الأجمل هيَ [إنَّ الليل هوَ أسطورة الماضي وسلاح المستقبل]، نحتٌ مُتقن تحفره الدنيا على جلودنا الرقيقة وأجسامنا الضعيفة، وجباهنا الصغيرة التي كتب عليها تاريخ لا مثيل له، فريد من نوعه، نعيشه كبصمة الإصبع! ..

           – ما هذا الخجل أيتها العتمة؟
           – أبحث عن بزوغ الفجر هرباً من جنونك.

سأغرق خدّي دلالا، سأصفعه إلى أن أصحو من غفلتي؛ وسكرتي، تبّاً لهذا الشيء المؤلم الذي أقبع فيه وأسبح في محيطه، أهوَ الذنب الذي أكتسبه في يمِّ يومي الطويل الذي لا ينتهي إلا بوقوف الشمس على تلك العتبة المضيئة التي تنير الكون، ولكنْ أهذه هيَ النهاية؟ أم هي مجرّد بداية أخرى؟، جسدي الواهن الذي أثبت لي مراراً أنّه لا يقوى على العيش دون أن يقتات شيئاً من ملذات هذه الدنيا، هل يبقى يترنّح بين أطباقها ويصيح بلسان مُعذّب بأيدي زبانيتها وهوَ ينادي عبر لسان دمّر ما دمّر ويصيح ربّاه يا ربّاه.

قرصٌ من نحيب هوَ سلاحي، ودموع من ملح هي درعي الأعظم، سأبتعد عن هذه الدنيا مُغتسلاً بِطُهر الحُب، وسأعودُ إليكم بعد أيّامٍ فقط، بعدما أنتقل إلى الحياة.