أطرقُ بابَه، أجرّ خيباتي بحقيبة عقلي، أجثو على رُكبتي، أطأطئ رأسي، وجذعي مائل ناحيته، أمدّ يدي علّني أحظى بلمسةِ من كُفوفه الحانية، أستعيد ترَحاً اكتسبته في رحلتيَ الأولى نحو الوَهم، رُميتُ بالأكاذيب، بالوعود الخاسرة، بأفكارٍ جالت على صدري، طحنت أضلاعي، مزّقت ما تبقّى من أشلائي. باهتٌ أنا في حُضور النور، مُتاح للموتِ في كُل مُنعطفٍ كونيّ، مُتاح للهرب بين جَرحٍ وجرح. بِهِ بقيتُ وأبقى. وأطرق بابه. أكمل قراءة المقالة ←
الوسم: شعبان
أسئلة
(1)
سؤال البقاء “مَتى نَنْتَقِعُ مِنْ عَذْبِ مائِكَ فَقَدْ طالَ الصَّدى” وسؤال الاشتياق “أين استقرّت بك النوى؟” وسؤال الحب “اَتَرانا نَحُفُّ بِكَ وَاَنْتَ تَاُمُّ الْمَلاَ؟” وستبقى الأسئلة تدوّي في كُل حين لا كُل جمعة، متى نمسح الشتاء من فوق أعيننا؟ متى نحارب الصحراء التي سكنت قلوبنا؟ متى نناديك “يَا بْنَ الاْطائِبِ الْمُطَهَّرينَ”؟ متى “نُغاديكَ وَنُراوِحُكَ فَنُقِرَّ عَيْناً”؟. أكمل قراءة المقالة ←
الناصفة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
شظايا الحُزن تُربت على كتفي، آهةً فيها لون من العذاب، صفعات متنوعة ترمي بكل ثقلها على كاهلي، وكأنها تريد تهشيم ما تَبقّى منّي!، يا تراني لماذا أخبئ شيئاً من دموعي في تلك الزاوية، وأجدني أعبث باللون الرمادي ووسادة أضعها بجانبي لأحتضن نفسي!،
أمنيتي أن أُقتَلُ أو تسلبُ حياتي حرفاً لا روحاً!، غالباً ما ينتظر الإنسان الموت بين يدي فنجان، أو على سرير مرض، أمّا أنا فأبحث عن الموت خلف الكلمات والحروف أو خلف لوحة فنّية تجسّد ليلة الناصفة، بكل جمالها، إلهي وسيّدي ومولاي، ومالكَ رقّي، حقق لي هذه الأمنية، فأنا مازلت أرسم الطرقات المتعرّجة لكي أتوه فيما بينها وأصرخ (يا مهدي) علّني أجده بين هذه الطرقات ينقذني من جهالتي وسوء حالي ودوام تفريطي وإسرافي على نفسي.
زرعت فسيلة النور وهذه المرّة لم تكسرها أمواج الظلام، ولم تنزعها من باطن أرضها؛ أعني تلكَ الرياح العاتية المُجرمة، نبتة النور هذه ستسرّح شعر الطبيعة وتغسله ببهائها، وستمسح الدموع عن عيني الشمس، وتجعل من خيوطها سلاسل ذهبية تعانق الرمال، وستدفئ الثلوج بكساء لونه غريب عن حياتي، لكنّي سأحبه بكل جنوني، وسأعزف بقيثارة الغزل أروع كلماتي، ففي يوم الناصفة سأصبح إنساناً مُختلفاً، يُضاف لي لقباً لم أكن أحمله منذ الصغر، أجدني أبكي فرحاً.
وطنُ أحلامي الصغيرات، أهلاً بكِ في منتصف هذا الشهر، بإذنه ستكونين ليَ أنا وحدي، أنظر إلى عينيك أبحث عنكِ مُجدداً خطواتي نحو هذا العالم المخيف، بخطوات جديدة مِلؤها الأمل والنشاط، سأبدّل وسادتي الشائكة لأضيف بستاناً من رحيق نورَكِ البهي، لا تقلقِ فكلُّ شيء مُعَد، وبإذنه سأنطلق إليكِ مسرعاً كملكِ واثقَ الخطوات يمشي!، فلولا إذنه لما كُنتَ ولما كنتِ، في عالمي ألف غيمة وألف ألف دمعة من غيم، كلّها تبتهل فرحةً مستبشرة، أتركي لي شيئاً أحكيه يا ليلاي، هناكَ بساط مزّقه الزمان، سأرقعه لأركبه وأواصل رحلتي منذ عالم الخفقان، ذلك العالم الذي لا أذكر منه سوى أنّي كنت قلباً يخفق، بحب الآل ويصيح في ليلهِ ونهاره (يا مهدي).
لماذا نذكّر ( اليوم ) ونؤنّث ( الليلة ) هل لأن كل ما في هذه الدنيا من نصفين؟! يكمّلان بعضهما البعض؟! لستُ أدري!، ولكنّكِ يا ليلة الناصفة آخر خريف أمارسه، كن يا يوم الناصفة لي ربيعاً مزهراً أبدياً، لا يُمارَس عليكَ خريف آخر لعبة التبديل المُذلة، فأنتَ ستبقى ربيعاً مُبدعاً جميلاً، يا يوم الناصفة كن لي صديقاً بإذنه.
حبري الإلكتروني الأسود، له رائحة غريبة هذا اليوم، فهوَ يرسم لوحة أكثر رحابة من عقلي، هل لأنّ قلبي هذه المرّة يمارس سطوته المُعتادة!، يا إلهي، أجد كلماتٌ تنمو من خلفها بعض الورود!، هل للكلمات هذه القدرة!، قدرة العطاء الذي يضيف شيئاً من مسحوق الحُب الجميل على الأزهار!؟ ماذا أصنع هنا، هل أُرفق شيئاً من قلبي الذي ترنّح بين أزقّة الصمت في عالمٍ مُلأ ظلماً وجوراً، وشيئاً من الأمل؟!.
××
كل عامٍ وأنا وأنتم في طاعة الربّ الجليل، ومحمّد الأقدسْ صلوات الله عيه وعلى آله المُقدّسين الأطهار، وكل عام وأنا وأنتم نغترفُ من رحمته الكثير، بحق المولود في الناصفة الطاهرة، بحق ذكرى 15 شعبان 255هـ، بحق إمامنا المُنتظر صاحب الأمر، المهدي الحجّة بن الحسن صلوات الله عليهم أجمعين.
عتمة أُخرى ..
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين
– كم ستبقينَ أيها العتمة؟
– لستُ أدري، ولكنّي الآن هنا!
– هل ستكونين هنا وبكامل طاقتك طوال هذا الليل؟
– ولمَ السؤال؟
منذ الصغر كنتُ أهاب العتمة التي تغطّي تلك التي تعبث بصدري في وسط الليل، فتارة أجدني أكتب شيئاً على الورق -فيما مضى- وتارة أجد نفسي تداعب أوراق بعض الكتب المختبئة بين رفوف المكتبة الكبيرة التي تسكن غرفتي الصغيرة، أشعر بالحروف وهي تتبعثر فرحاً بأنّني وأخيراً بدأت ألامسها، وتنتقل عيني من سطر إلى آخر، والخوف يتبدد شيئاً فشيئاً والعتمة تهدأ، وقدرتها على ترك ذلك الأثر المرعب بدأت بالتلاشي، والقراءة تستمر حتّى أطراف الصباح، وعقلي يناديني،
– ألا تنام أيها المجنون؟
وكأنّي لا أشعر بندائه، وتساؤلي الدائم هل يهبط الليل ليعطيني غطاءً من الخوف، وأجد في الأوراق سلوتي؟، حقيقة لست أدري!، وما هذا الذي أكتبه، هل هوَ إعترافات؟ أم هوَ مجرّد خربشات تأتي لتشاهدونها أيها القرّاء الأعزاء؟ مجدداً أُسمعكم همسي، لست أدري؟؛ وروزنامتي تشير إلى أنني الآن على مقربة من منتصف شهر شعبان المبارك، هذا الشهر الذي تنصّب فيه الرحمة الإلهية كما الغيث المُنهمر من خلف أطراف الغيوم، وكل الطقوس تشير إلى الغفران وأنّه عليّ أن أعلن توبتي الآن، وأترك هذه الكتب التي أسامر فيها عقلي وقلبي المَلول، كم هوَ رائع نداء ذلك العبد الذي تفنن بفنون الدعوات، وقدّم للأمّة جمعاء كلمات تنير القلوب وتشق الحجب عن العقول والعيون، مناجاة التائبين هي ما أقصد وعلي بن الحسين (عليهما السلام) هوَ من أقصد؛ “اِلـهي اَلْبَسَتْنِى الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتي، وَجَلَّلَنِى التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتي، وَاَماتَ قَلْبي عَظيمُ جِنايَتي، فَاَحْيِهِ بِتَوْبَة مِنْكَ يا اَمَلي وَبُغْيَتي وَيا سُؤْلي وَمُنْيَتي، فَوَ عِزَّتِكَ ما اَجِدُ لِذُنوُبي سِواكَ غافِراً، وَلا اَرى لِكَسْري غَيْرَكَ جابِراً”.
أريد من هذا الليل أن يكون فاتناً جميلاً، مغرياً إلى حد البكاء على رحيله!، اعتدت سابقاً على سؤال أحدهم “هل تحبّ الليل؟”، وكنتُ دوماً أجيبه بـ [نعم] لكنَّ الإجابة الأجمل هيَ [إنَّ الليل هوَ أسطورة الماضي وسلاح المستقبل]، نحتٌ مُتقن تحفره الدنيا على جلودنا الرقيقة وأجسامنا الضعيفة، وجباهنا الصغيرة التي كتب عليها تاريخ لا مثيل له، فريد من نوعه، نعيشه كبصمة الإصبع! ..
– ما هذا الخجل أيتها العتمة؟
– أبحث عن بزوغ الفجر هرباً من جنونك.
سأغرق خدّي دلالا، سأصفعه إلى أن أصحو من غفلتي؛ وسكرتي، تبّاً لهذا الشيء المؤلم الذي أقبع فيه وأسبح في محيطه، أهوَ الذنب الذي أكتسبه في يمِّ يومي الطويل الذي لا ينتهي إلا بوقوف الشمس على تلك العتبة المضيئة التي تنير الكون، ولكنْ أهذه هيَ النهاية؟ أم هي مجرّد بداية أخرى؟، جسدي الواهن الذي أثبت لي مراراً أنّه لا يقوى على العيش دون أن يقتات شيئاً من ملذات هذه الدنيا، هل يبقى يترنّح بين أطباقها ويصيح بلسان مُعذّب بأيدي زبانيتها وهوَ ينادي عبر لسان دمّر ما دمّر ويصيح ربّاه يا ربّاه.
قرصٌ من نحيب هوَ سلاحي، ودموع من ملح هي درعي الأعظم، سأبتعد عن هذه الدنيا مُغتسلاً بِطُهر الحُب، وسأعودُ إليكم بعد أيّامٍ فقط، بعدما أنتقل إلى الحياة.