خواطري

آهةُ زينب

قوافل من حُزن، ولباسٌ أسود يغري الدمُوع فيّ لتنفجر، وعينان مسلوبتان منذ ألف عامٍ وأكثر، والآلام تعصف بالعقل والقلب، ففي عُمق التاريخ، أُنبتَ المسمار -ذلك المسمار الدامي-، ليُغرَس في ضلع الروح الأغلى في العالم، وأسأل من الله أن يهبني حرفاً يُبكيني ويُلهمني، فحياتي دونَ الحرف ملعونة مسلوبة كلّ القوى، ما أنا دون الحَرف؟.

باستمرار أطرق نوافذ الأمل بحثاً عن نور أو نار تجتث غُصّة زُرعت فوق عرش القلب، غُصّة طفل يبحث عن النبض الأوّل سقط خلف باب الرسالة وهو يجتّر ظُلامةٌ ستقتات على الدَم في كلّ مرّة تعاود الظهور فيها، وفي كل ظهور لها سيقتل أبناء النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وراية الشرّ ستعتلي وتُرفع فوق الرؤوس، ومقاعد الحياة سيتم احتلال نصفها بل وأكثر من طينةٍ أبغضَت النبيّ وآله، وسُتسرق الكلمات من ثغر الحكمة لتُلصق بشيء مشوّه!، ليظُنّ العالم بأنّ الحكمة والسماحة والفصاحة لازالت في الصدارة.

يا إلهي مُثقلٌ بالأشجان أنا، وتورق أنفاسي وروداً من بُكاء، ولا شيء يُشبعني فالدَم سال فوق الباب، والضلع انكسر والطفل قُتل، وهُناك فوق قارعة الطريقة ارتمى العبد الآبق فوق وجه الطُهر ليرفع سوطاً من حقد غذّاه بكلّ الذكريات الكافرة التي عشعشت في عقله، وفجّر قطرة الدَم الحارقة من جسدها الأطهر، لتُعلَن انتصار الشياطين في الجولة الأولى ضد الإنسان!، وشطر السوط جسد الأمّة كلّها، واختبأ خلف الستار، مُعتقداً بأن العدالة الإلهية غائبة لن تقتص منه.

ولا أجد إلا أن أرتدي ثوباً من غيم، فروحي تشهق وجعاً ولا يُخفي جروحي إلا مطرٌ يُخالطه دم، فبنت النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) ارتحلت ويأبى التاريخ تسجيل شيء إلا إن حُفر بالدم، وهذه الفواجع والرزايا تطبع أحداثها على صدر التاريخ لتسجّل لنا جُرحُ صدرٍ وحرق دار ولطمُ خدٍ وطعنةُ مسمار، وآهةُ (زينب) تلك التي دوّت ليرتّد صداها في كل زمان، لتُبكينا وتُشجينا وتُهدينا روحاً من بُكاء.

httpv://www.youtube.com/watch?v=v_Vop-5zV5E

عظّم الله لكم الأجر في ذكرى استشهاد مولاتي الزهراء (عليها السلام)

خواطري

محور الأحزان

إنّ الرّب وهبنا قُدرة على السفر بقوّة الخيال، فلا تبخلوا على أنفسكم في هذه الليلة، استخدموا هذه الطاقة الرهيبة، وحلّقوا وارحلوا إلى الوراء، أغمضوا العيون، شاهدوا بعين البصيرة، ولا تقلقوا فإنكم ستصلون إلى معشوقكم لا محالة، تحسّسوا الحيطان التُرابية، إنها ترتجف، ضعوا أيديكم على الأرض، وأنصتوا أما تسمعون صوت البكاء وهوَ يتنقّل بين الذرّات؟ لا تبحثوا كثيراً، فقط شاهدوا كلّ هذه الآثار، إنها الأقدام الصغيرة، وقطراتٌ من لبن مسكوب، إنها هدايا الأيتام لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، هُم واقفين عند داره، يترقّبون خبر شفائه، حاسري الرؤوس، حُفاة، مُرقعةٌ ثيابهم بيديه الشريفة، إنهم أيتامُ عليّ، وقفوا هُنا يبحثون عن نظرة منه، تُطمئن قلوبهم، لأنه ذلك الرجل الذي حضر في الليالي الحالكة ليَطبُخ ليتيم وجبة العشاء، لأنّه ذلك الرجل الذي قرّر أن لا ينام لينام أطفال الإسلام بسعادة، لأنه الذي يبكي لبُكائهم، إنّه الأب الذي قرّر النوم للأبد.

ها هيَ ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك من العام الأربعين من تاريخ هجرة النبّي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ها هيَ تُرخي ستائر الليل، وتُخفي الشمس، وتُحارب خيوط النور، إنها الليلة التي يودّع فيها عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بنيه، إنها ليلةٌ مُثقلة بالحُزن، نبضاتها مُترنّحة لا تجد مجالاً للاستقامة، فالوداع الأخير، يعني أن نثمل ونحن نبكي، وندخل في عالم اللاوعي، ونبكي، ونسقي الأرض دمعاً طاهراً، وبعدها نُشعل العيون بنيران الفقد، لكي لا نُبصر شيئاً، فدمعة مِحور الأحزان زينب، أطهر من أن تُرى، وصوتها أعظم من أن يُسمع، ونورها أجمل من أن يُرى، ستشعرون ببُكائها وترتجفون.

سيُغادرنا الإمام الأب، تاركاً يدُ العبّاس مُعانقة يد زينب، ومُهدياً للحسن كلّ الوصايا، ومُفجّراً دمعة الخلود على الحُسين، ونحن نطلّ من نافذة الحُزن، لنُشاهد النور الذي لا انطفاء له!، يرحل ليُلاقي الأمّة غداً.

في مثل هذا الليل، شقّت السماوات صدرها، تنتظر علياً، وأمّا إمامُنا، فهوَ مُشتاق للقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مُشتاق إلى المكسّرة الأضلاع فاطمة الزهراء، تارة ينظر إلى بنيه وتارة يُغمض عينيه، والنواح من حوله يتعالى، وحروفه الأخيرة لا تتجرأ على الخروج من فمه، لكنّه المؤمن رحمة الرّب الجليل، أدار وجهه ناحية الأبناء وقال: “أستودعكم الله جميعاً، سدّدكم الله جميعاً، وحفظكم الله جميعاً، الله خليفتي عليكم، وكفى بالله خليفة” وتعالت الصيحات، فأكمل، “أشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، رفقاً بي ملائكة ربّي” فعرق جبينه وسكن أنينه وأغمض عينيه وأسبل يديه ومدّد رجليه، وارتحلت روحه إلى بارئها، وساد البُكاء، واسوّد الفضاء، وانقبضت القلوب، واحتلّت بُردة الأحزان كلّ الدُنيا، إنّها ليلة رحيل عليّ .. وداعاً يا علي، وداعاً يا أبي، روحي وأرواح العالمين لك الفداء.

××

عظّم الله أجورنا وأجوركم يا شيعة عليّ (عليه السلام) في حبيب قلوبنا، إمامُنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

××

[box title=”مُلاحظة عابرة” type=”warning” width=”600px” ] بالأمس كانت هُناك محاولة لاختراق الموقع، لستُ أدري ما السبب، ولكنّ إن كان السبب هوَ مقالاتي المكتوبة باسم أهل البيت (عليهم السلام) فليعلم من حاول الإختراق أنني لن أتوقّف عن الكتابة حول محمّد وآله صلوات الله عليهم أجمعين، وعُذراً على تعطّل الموقع بالأمس.[/box]