أفكاري

مُحدّثهُ الحُسين

أم البنين (عليها السلام) من النساء الاستثنائيات في قضيّة عاشوراء الخالدة، وقفت بالقُرب من “بشر بن حذلم” وهيَ تحمل بين يديها طفل وتحمل في عقلها وقلبها سؤال: أعندك خبر عن الحُسين (عليه السلام)؟ هذا السؤال الذي يُفجّر ينابيع الدماء والدموع في كُل حين، هذا السؤال الخالد له جواب مُخلّد لا يُمحى من التأريخ: “الجِسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلاءَ مُضَرَّجٌ، وَالرَأْسُ مِنْهُ عَلَى القَناةِ يُدارُ”.

هيَ أمُّ لجميع خُدّام الإمام الحُسين (عليه السلام) هيَ من أقدم على تربية شخصية فذّة خدمت الحُسين بكل تفاني، هيَ أمُّ العبّاس (عليه السلام) الخادم الأوفى لسيّده ومولاه الإمام الحُسين (عليه السلام)، قرأتم/ سمعتم، لم ينطق “أخي” احتراماً، إلا في ساعة رحيله، هذه التربية العظيمة هيَ من مدرسة عظيمة اسمها “أم البنين”.

××

وبعضٌ من الكلمات الأخرى ..

هل دبّ الخوف في قلبك؟ اقرأ هذه الرواية التي دُوّنَت في كتاب “كامل الزيارات” للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمّي وهيَ بِشارة لكل من يشعر بشيء من الخوف في قلبه قبل الذهاب لزيارة الإمام الحُسين (عليه السلام)، ولن أمارس التأويل وأختار الكلمات اختيارا، بل سأترك فهمك يفسّر هذه الرواية..

“باسناده عن الأصم، عن ابن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) –يعني الإمام الصادق (عليه السلام)- قال: قُلت له:

إني أنزل الأرجان –مدينة من بلاد فارس- وقلبي يُنازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مُشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان والسُعاة وأصحاب المسالح –أصحاب السلاح-، فقال: يبن بكير، أما تُحب أن يراك الله فينا خائف؟، أما تعلم أنّه من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظل عرشه، وكان مُحدّثه الحُسين (عليه السلام) تحت العرش، وآمنه الله من افزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقّرته الملائكة وسكّنت قلبه بالبشارة” انتهى. (كامل الزيارات، الباب45، ص243)

هذه الكلمات العظيمة هيَ رسالة تم ارسالها منذ زمن الإمام الصادق (عليه السلام) تصل اليوم بأيدينا، ونحن بدورنا علينا إيصالها للأجيال القادمة، استوقفتني كلمة “وكانَ مُحدّثه الحُسين (عليه السلام)” كلمة جداً عميقة، ولها معاني عظيمة، هل تتصوّر في لحظة واحدة أنّك ممن يتحدّث مع الإمام (صلوات الله عليه)؟ هل تمتلك القدرة الخيالية للوصول إلى شكل هذه المُحادثة؟ ماذا ستقول؟ أينَ هيَ الكلمات التي تُلائم حجم هذا الأمر؟، بالإضافة إلى أن هذه الرواية بها شرح دقيقة لما تؤول إليه أمور زيارة الإمام الحُسين (عليه السلام) في مختلف الأزمان.

××

أعظم الله أجوركم يا أهل سيهات، ونسأل من الله أن يحشر الشهداء الأبرار مع من كانوا يعشقون، مولاهم الإمام الحُسين (عليه السلام)، ونسأل من الله أن يربط على قلوبكم ويثبّتكم على حُب سيّد الشهداء (عليه السلام).

أفكاري

عتمة أُخرى ..

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين

           – كم ستبقينَ أيها العتمة؟
            – لستُ أدري، ولكنّي الآن هنا!
           – هل ستكونين هنا وبكامل طاقتك طوال هذا الليل؟
           – ولمَ السؤال؟

منذ الصغر كنتُ أهاب العتمة التي تغطّي تلك التي تعبث بصدري في وسط الليل، فتارة أجدني أكتب شيئاً على الورق -فيما مضى- وتارة أجد نفسي تداعب أوراق بعض الكتب المختبئة بين رفوف المكتبة الكبيرة التي تسكن غرفتي الصغيرة، أشعر بالحروف وهي تتبعثر فرحاً بأنّني وأخيراً بدأت ألامسها، وتنتقل عيني من سطر إلى آخر، والخوف يتبدد شيئاً فشيئاً والعتمة تهدأ، وقدرتها على ترك ذلك الأثر المرعب بدأت بالتلاشي، والقراءة تستمر حتّى أطراف الصباح، وعقلي يناديني،

           – ألا تنام أيها المجنون؟

وكأنّي لا أشعر بندائه، وتساؤلي الدائم هل يهبط الليل ليعطيني غطاءً من الخوف، وأجد في الأوراق سلوتي؟، حقيقة لست أدري!، وما هذا الذي أكتبه، هل هوَ إعترافات؟ أم هوَ مجرّد خربشات تأتي لتشاهدونها أيها القرّاء الأعزاء؟ مجدداً أُسمعكم همسي، لست أدري؟؛ وروزنامتي تشير إلى أنني الآن على مقربة من منتصف شهر شعبان المبارك، هذا الشهر الذي تنصّب فيه الرحمة الإلهية كما الغيث المُنهمر من خلف أطراف الغيوم، وكل الطقوس تشير إلى الغفران وأنّه عليّ أن أعلن توبتي الآن، وأترك هذه الكتب التي أسامر فيها عقلي وقلبي المَلول، كم هوَ رائع نداء ذلك العبد الذي تفنن بفنون الدعوات، وقدّم للأمّة جمعاء كلمات تنير القلوب وتشق الحجب عن العقول والعيون، مناجاة التائبين هي ما أقصد وعلي بن الحسين (عليهما السلام) هوَ من أقصد؛ “اِلـهي اَلْبَسَتْنِى الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتي، وَجَلَّلَنِى التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتي، وَاَماتَ قَلْبي عَظيمُ جِنايَتي، فَاَحْيِهِ بِتَوْبَة مِنْكَ يا اَمَلي وَبُغْيَتي وَيا سُؤْلي وَمُنْيَتي، فَوَ عِزَّتِكَ ما اَجِدُ لِذُنوُبي سِواكَ غافِراً، وَلا اَرى لِكَسْري غَيْرَكَ جابِراً”.

أريد من هذا الليل أن يكون فاتناً جميلاً، مغرياً إلى حد البكاء على رحيله!، اعتدت سابقاً على سؤال أحدهم “هل تحبّ الليل؟”، وكنتُ دوماً أجيبه بـ [نعم] لكنَّ الإجابة الأجمل هيَ [إنَّ الليل هوَ أسطورة الماضي وسلاح المستقبل]، نحتٌ مُتقن تحفره الدنيا على جلودنا الرقيقة وأجسامنا الضعيفة، وجباهنا الصغيرة التي كتب عليها تاريخ لا مثيل له، فريد من نوعه، نعيشه كبصمة الإصبع! ..

           – ما هذا الخجل أيتها العتمة؟
           – أبحث عن بزوغ الفجر هرباً من جنونك.

سأغرق خدّي دلالا، سأصفعه إلى أن أصحو من غفلتي؛ وسكرتي، تبّاً لهذا الشيء المؤلم الذي أقبع فيه وأسبح في محيطه، أهوَ الذنب الذي أكتسبه في يمِّ يومي الطويل الذي لا ينتهي إلا بوقوف الشمس على تلك العتبة المضيئة التي تنير الكون، ولكنْ أهذه هيَ النهاية؟ أم هي مجرّد بداية أخرى؟، جسدي الواهن الذي أثبت لي مراراً أنّه لا يقوى على العيش دون أن يقتات شيئاً من ملذات هذه الدنيا، هل يبقى يترنّح بين أطباقها ويصيح بلسان مُعذّب بأيدي زبانيتها وهوَ ينادي عبر لسان دمّر ما دمّر ويصيح ربّاه يا ربّاه.

قرصٌ من نحيب هوَ سلاحي، ودموع من ملح هي درعي الأعظم، سأبتعد عن هذه الدنيا مُغتسلاً بِطُهر الحُب، وسأعودُ إليكم بعد أيّامٍ فقط، بعدما أنتقل إلى الحياة.