أفكاري

عتمة أُخرى ..

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين

           – كم ستبقينَ أيها العتمة؟
            – لستُ أدري، ولكنّي الآن هنا!
           – هل ستكونين هنا وبكامل طاقتك طوال هذا الليل؟
           – ولمَ السؤال؟

منذ الصغر كنتُ أهاب العتمة التي تغطّي تلك التي تعبث بصدري في وسط الليل، فتارة أجدني أكتب شيئاً على الورق -فيما مضى- وتارة أجد نفسي تداعب أوراق بعض الكتب المختبئة بين رفوف المكتبة الكبيرة التي تسكن غرفتي الصغيرة، أشعر بالحروف وهي تتبعثر فرحاً بأنّني وأخيراً بدأت ألامسها، وتنتقل عيني من سطر إلى آخر، والخوف يتبدد شيئاً فشيئاً والعتمة تهدأ، وقدرتها على ترك ذلك الأثر المرعب بدأت بالتلاشي، والقراءة تستمر حتّى أطراف الصباح، وعقلي يناديني،

           – ألا تنام أيها المجنون؟

وكأنّي لا أشعر بندائه، وتساؤلي الدائم هل يهبط الليل ليعطيني غطاءً من الخوف، وأجد في الأوراق سلوتي؟، حقيقة لست أدري!، وما هذا الذي أكتبه، هل هوَ إعترافات؟ أم هوَ مجرّد خربشات تأتي لتشاهدونها أيها القرّاء الأعزاء؟ مجدداً أُسمعكم همسي، لست أدري؟؛ وروزنامتي تشير إلى أنني الآن على مقربة من منتصف شهر شعبان المبارك، هذا الشهر الذي تنصّب فيه الرحمة الإلهية كما الغيث المُنهمر من خلف أطراف الغيوم، وكل الطقوس تشير إلى الغفران وأنّه عليّ أن أعلن توبتي الآن، وأترك هذه الكتب التي أسامر فيها عقلي وقلبي المَلول، كم هوَ رائع نداء ذلك العبد الذي تفنن بفنون الدعوات، وقدّم للأمّة جمعاء كلمات تنير القلوب وتشق الحجب عن العقول والعيون، مناجاة التائبين هي ما أقصد وعلي بن الحسين (عليهما السلام) هوَ من أقصد؛ “اِلـهي اَلْبَسَتْنِى الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتي، وَجَلَّلَنِى التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتي، وَاَماتَ قَلْبي عَظيمُ جِنايَتي، فَاَحْيِهِ بِتَوْبَة مِنْكَ يا اَمَلي وَبُغْيَتي وَيا سُؤْلي وَمُنْيَتي، فَوَ عِزَّتِكَ ما اَجِدُ لِذُنوُبي سِواكَ غافِراً، وَلا اَرى لِكَسْري غَيْرَكَ جابِراً”.

أريد من هذا الليل أن يكون فاتناً جميلاً، مغرياً إلى حد البكاء على رحيله!، اعتدت سابقاً على سؤال أحدهم “هل تحبّ الليل؟”، وكنتُ دوماً أجيبه بـ [نعم] لكنَّ الإجابة الأجمل هيَ [إنَّ الليل هوَ أسطورة الماضي وسلاح المستقبل]، نحتٌ مُتقن تحفره الدنيا على جلودنا الرقيقة وأجسامنا الضعيفة، وجباهنا الصغيرة التي كتب عليها تاريخ لا مثيل له، فريد من نوعه، نعيشه كبصمة الإصبع! ..

           – ما هذا الخجل أيتها العتمة؟
           – أبحث عن بزوغ الفجر هرباً من جنونك.

سأغرق خدّي دلالا، سأصفعه إلى أن أصحو من غفلتي؛ وسكرتي، تبّاً لهذا الشيء المؤلم الذي أقبع فيه وأسبح في محيطه، أهوَ الذنب الذي أكتسبه في يمِّ يومي الطويل الذي لا ينتهي إلا بوقوف الشمس على تلك العتبة المضيئة التي تنير الكون، ولكنْ أهذه هيَ النهاية؟ أم هي مجرّد بداية أخرى؟، جسدي الواهن الذي أثبت لي مراراً أنّه لا يقوى على العيش دون أن يقتات شيئاً من ملذات هذه الدنيا، هل يبقى يترنّح بين أطباقها ويصيح بلسان مُعذّب بأيدي زبانيتها وهوَ ينادي عبر لسان دمّر ما دمّر ويصيح ربّاه يا ربّاه.

قرصٌ من نحيب هوَ سلاحي، ودموع من ملح هي درعي الأعظم، سأبتعد عن هذه الدنيا مُغتسلاً بِطُهر الحُب، وسأعودُ إليكم بعد أيّامٍ فقط، بعدما أنتقل إلى الحياة.