أفكاري

هل هُناك وقت للكتابة؟

نحن لا نمتلك الوقت، لكنّنا ننظمه بشكل من الأشكال لنتحصّل على أفضل النتائج، إلى هُنا يكون الأمر سهلاً، لكن هُناك فئة لا تجد الوقت الكافي لتُنظّمه ولكنها تصارع الثواني لتتمكن من الانجاز، هكذا هيَ الحياة، وهكذا هُم الكُتّاب، لا يمتلكون الوقت، فهُم ليسوا بأناس متفرّغين كما يمكن للبعض أن يتصوّر، ولو طالعنا في التاريخ لشاهدنا الكثير من الأمثلة، وسأسرد لكم بعضاً منها، لتتحفّزوا بعض الشيء.

المرجع الديني الراحل السيّد مُحمّد الشيرازي -قدّس سره- كان يبتكر أوقاتاً للكتابة فكما يُنقل عنه أنّه كان يؤلف كتاباً في الطرقات ويؤلف كتاباً قبل بزوغ الشمس، -لمن لا يعرف فإن المرجعية في الوسط الشيعي عليها ضغوطات كبيرة وأعمال ضخمة جداً كالتدريس والدراسة والنقاش والبحث والاستنباط وغيرها من المَهام-، لم يكن ينتظر الوقت الفارغ ليكتب فيه، بل كان الوقت بالنسبة له مناسباً لشيء وإن كانت الكتابة فإنه يشرع بالكتابة، ولا تستغرب إن قلت لك أن الرائع (فرانز كافكا) كانت يقضي صباحاته خلف مكتب مليء بالأوراق، كان يعمل في شركة للتأمين ضد الحوادث في براغ، لم يكن يتذمّر من عدم وجود وقت للكتابة أبداً، بل كان يرجع إلى المنزل ويختطف الثواني الأخيرة قبل النوم للغرق في عالم الكتابة، وكتب العديد من الروايات والقصص الرائعة، إنهم يسرقون الوقت للكتابة، يبحثون عنه بين يومهم المليء بالعمل، فعلى سبيل المثال الكاتب (ستيفن كينج) يعمل مُدرساً في أحد الجامعات، ولم يكن يمتلك الكثير من الوقت في بداياته إلا أنّه حقق نجاحات مُدويّة في مجاله، وكذلك (وليم فوكنر) كان يعمل كساعي بريد في صباحاته وحاز على جائزة نوبل!، ابحثوا عن (أجاثا كريستي) وعملها الصباحي وكذلك (تشارلز ديكينز) وستكتشفون الكثير.

لهذا في المرحلة الأولى ابحث عن الوقت ولا تضيّعه كثيراً في البحث عنه، فهو بين يديك، ضع خريطة طريق لتتمكن من الكتابة بشكل عام، فهذه المقالة لم تكن تراها لو أنني كُنت أبحث عن وقت لكتابتها، بل إنني دوّنت أفكارها منذ فترة وكتبتها لحظة ما اكتشفت أنني أمتلك الوقت.

أعلم بأن بداية كتابة رواية ما أو قصّة أو مقال هيَ من أصعب اللحظات فعندما تستحضر الرغبة بتدوين شيء من أفكارك لتكون على شكل نص مكتوب ستجد نفسك في غرفة مظلمة مُغلقة تلوّح بيدك باحثاً عن الضوء، ولكن ما إن تجد جملة واحدة تعبّر فيها عن ما في داخلك ستجد أنّك تمكنت من كتابة الكثير واكتشاف الضوء الداخلي الذي يسكنك، رغم فوضوية الحروف في البداية إلا أنّه أمرٌ طبيعي ويمكنك تجاوزه لاحقاً إذا ما كُنت تمتلك الثقة والرغبة والإرادة، لأنّك قبل البداية لا تمتلك شيء لتحسينه، وبعد الانطلاق سيكون عملك تحت التطوير والتطوّر المستمر فأنت بعد كلّ حرف جديد تكتسب خبرة جديدة.

نعم تستهويني فكرة نقل التجارب من جيل إلى جيل، وفكرة الكتابة بشكل عام لحفظ الأحداث والأفكار، لهذا أدعوكم جميعاً لافتتاح مُدوّنات والكتابة فيها ونقل تجاربكم للعالم لأنها قد تكون مُلهمة لأحد القرّاء وتغيّر حياته للأبد، وتكتسبون أنتم شرف التغيير للأفضل.

هل تمتلك مُدوّنة؟ ضعها في الردود .. أرغب بقراءة انتاجاتكم جميعاً، وتذكّر جيّداً .. (لستَ جُرماً صغيراً، بل انطوى فيك العالم الأكبر).

أفكاري

هل ساعاتك كساعاتي؟

قرأت وكتبت الكثير من المقالات حول تنظيم الوقت، وكيف يمكننا إدارة الوقت، وماذا إذا أضعنا الوقت بلا فائدة، وكيف يمكننا الاستفادة من أكبر قدر من الساعات الجميلة التي نعيشها في حياتنا، ولكنني مع الوقت اكتشفت أنني شخصياً إلى الآن أعيش حالات الفوضى الغير منظمّة أبداً في التوقيت الشخصي بالنسبة لي، ويعاني بعض من هُم مقرّبين منّي من هذا الأمر، بسبب تأخري عن أداء بعض المهام، فحاولت إعادة قراءة قضيّة التوقيت وفنونه، فعرفت بعض الأسرار التي اختفت عنّي في وقت ما.

أحد أهم الأسرار “الساعات ليست متساوية”

في أحد الأيّام الرائعة التي أقضيها مع مؤسسة شباب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبعد صلاة الفجر كانت رغبتنا كبيرة في أن ندخل في عالم النوم، إلا أنّ الأستاذ الشيخ حسن ملكي أخبرنا بسر صغير جداً، وهوَ أن الهواء المنتشر الآن مُختلف كلّياً عما نتنفسّه خلال اليوم، وأعتقد أنّه عرف هذه المعلومة من الروايات الواردة عن محمّد وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) حول النوم بين الطلوعين وكراهة النوم في هذا الوقت وغيرها من النقاط، ومنذ تلك اللحظة وأنا أتساءل حول سر الإنتاجية لدى بعض البشر، فقرأت عن السيّد محمّد الشيرازي -قدّس سرّه- أنّه كان يحاول الاستفادة من هذا الوقت على وجه الخصوص (بين الطلوعين) للكتابة والتأليف.

الساعات ليست متساوية، معلومة قرأتها وسمعتها وبدأت بمحاولة استخدامها، فبالنسبة لي في أوّل النهار من الساعة السادسة صباحاً وإلى الساعة التاسعة صباحاً أكون أقل انتاجية، من الساعات اللاحقة من الصباح، وفي فترة المساء أحب الكتابة، إنها فترتي الخاصة بالإنتاجية الكتابية، فلازلت أذكر أنني كتبت روايتي (راوية) في فترة المساء حيث الكل نائم ولا صوت يُربكني.

 السر الثاني “لا توجد ثمان ساعات مُتكاملة”

فعلاً يجب أن لا نهرب من حقيقة علمية أن البدن يتعب، وفي تعبه يكون تنظيم الوقت بلا فائدة، فلا يصلح أن نكدّس الأعمال في يومٍ واحد ولا نجد فيه راحة حقيقية لإتقان هذا الانتاج الذي ننشده من تنظيم الوقت، عندما كُنت أعمل في القطاع الخاص كان المطلوب منّا هوَ التركيز لأكبر فترة ممكنة، ولكنّهم عرفوا مسبقاً أن الإنسان لا يمكنه أن يكون مُركّزاً بشكل متساوي لمدّة ثمانية ساعات متواصلة أو تسع ساعات، لهذا وضعوا دقائق للاستراحة، كما أنّهم يمتلكون جداول تقول أن العمل الحقيقي تمّ انجازه خلال خمسة ساعات فقط، فلا مانع يا عزيزي أن تتصفّح البريد الإلكتروني في أوّل النهار إذا ما أردت واعتقدت أنّه انجاز قمت بعمله، ولكن اهرب من تصفّحه بشكل مستمر وبدون توقّف!.

جرّب تنظيم حياتك لا فقط تنظيم وقتك، ركّز على عمل مُعيّن وانتقل بعد الانتهاء منه، قد تكون قادر على عمل أكثر من شيء خلال فترة مُعيّنة وهذا أمر رائع والمقال هذا ليس موجّه لك عزيزي، فأنت أكثر انتاجية وقدرة من صاحب هذا المقال، تنظيم حياتك غالباً يكون عبر تنظيم أولوياتك ونظرتك المستقبلية لما ستكون عليه، وأنت من سيحدد مستقبلك عبر التخطيط له.

 ××

 أنت كُنتم تمتلكون اقتراحات لإضافتها، فيمكنكم كتاباتها في التعليقات .. موفقين جميعاً.