خواطري, ذكرياتي

في كربلاء .. مقالات

 نتبعثر  

نـبقى نردد في خطوات متبعثرة في أطراف ليلٍ مظلم .. حسين(ع)، هذه الكلمة الساحرة التي تضفي على جوّ الغرام بياناً!، فعلاً لا يمكن وصف الحالة الإبتدائية التي تتعملق بالجنون الحُسيني عندما نصلُ إلى تلك الديار ونحن قلوبٌ إمتلأت شوقاً ولهفةً ترفع رايات حبٍ تنبض في سماء هذه الحياة ولا توجد قوة في الأرض يمكنها إيقاف هذا النبض الطاهر الممزوج بالولاية الأطهر، لتعرَّج القلوب بكل هدوء إلى غيمة وفي دفء صلاتها فلتخشع النبضات وتتسابق جميع الخلائق في الوصول إلى ضريحٍ تلوّن بالدمْ ورسَم لوحة لا تُضاهى .. أعلنت بقاياها في سماء الرّب في كل يومٍ مرتين، في كل عام تحج الخلائق إلى كعبة الرحمن في مكة المكرّمة، وفي كلّ لحظة تحجّ المخلوقات إلى حرم قتيل الآل في كربلاء وكبش الفداء ابن الزهراء (ع) الحسين سيد الشهداء (ع)، فور الإلتحام بتلك القضبان علينا الإنتقال إلى عام 61 هـ بواسطة آلة الخيال التي وهبها لنا الربُّ الجليل جل وعلا لنراقب ونشارك واقعة كربلاء، نهروّل ما بين الخيام ننظر تارةً الحُسين (ع) ينادي: “ ألا من ناصر ينصرنا؟ ” وتارة أخرى نستمع لهمس الإمام زين العابدين (ع) في ظهيرة عاشوراء الذي أطلقه في أذن عمته عندما تساءلت: “ عمّة عليكُنَّ بالفرار ”، لتسافر الدمعة مع تلك الطفلة التي نادت في دهاليز الشام: “ أريد والدي ”.

لنرحل من عالم الجسد، لنرتقي في عالم الأرواح كي لا نتوه بين حائط وباب، لنتجرّد من عالم الماديات كي نصل إلى نهر الدم بإحرام الدموع، متسلحين بسبعة أحرف .. “ آه يحسين ”.

××

أنفاس عالقة

الدمع حار بمقلتي .. ينزوي بين الجفون، إني كما أنا شاعر! جعل الحروف وسيلة بين الفؤاد وبين أفئدة الحزانى والحيارى والتائهين، ما إزددت سوى جُرحاً وحُزناً وألماً .. ما طال غيرُ ليلٍ يُقضى بين آهٍ وآه! ، أشكو إلى الحسين المصائب .. والدجى قد لفني بثيابه وما يكون من نصل الصباح إلا أن يمزّق هذه الوحشة التي إعترتني، أشكو إليكَ سيدي .. ألسنة اللهب لم يبللها المطر وغربة الروح تسكن على قارعة كربلاء! ترتل الشهيق وتغني الدمع، لستُ أنسى عتمة الليل التي تمارس إرهاب الظلام والحلم المغمى عليه، لست أنسى خيمةً قررت حرق نفسها تأسياً بباب فاطمة(ع)! وأطفال تهرب خشية السياط تأسياً بمتنٍ تأوه وصار كالدملج!، أرتجئ غيمة آتية لامحالة تمر بسماءات يعلوها الدخان فتُهطلُ مطراً ينبت الورود وينشر العطر وتشرق الشمس من بعد غياب .. إلهي عجل فرجه.

××
مقالات كتبتها في كربلاء لمجلة حملة عتبات

خواطري

حادي .. !

بسم الله الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أبي الزهراء محمد و آل بيته الطيبين الطاهرين و اللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .

لن أعطيكم شيئاً فأنتم تملكون كافة الأدوات لرسم لوحة الحياة التي ترغبون ، و لن أضيف شيئاً لأنكم تملكون ما هو أكبر من الأشياء ، إن جل ما يمكن فعله في هذه الحياة ، أن تُقطّع الأقنعة التي تغشي القلوب و العقول ، لا أن أضيف مصطلحات جميلة و مفردات مميزة إلى قاموسكم هو هدفي هُنا ، بل أن نتجه إلى الخيال الذي هو منحة الرب العُظمى ، فبالخيال يمكننا الوصول إلى كافة الأماكن و الأراضي التي نتخطاها بمجرد ومضة فكر .

بالخيال .. تخطوا و أنت كسيح ، و تنظر و أنت أعمى ، و تغمض عينيك و تسافر ، و ترسم و أنت بلا يدان .. و تقول و أنت صامت فلا حاجة للبحث عن شيء نحن نمتلكه فقط علينا أن نكشف عنه ، إن الخيال هو الطريق إلى الحقيقة ، فلا يمكن لإنسان أن يرفض وجود الملائكة على سبيل المثال لأنه لم يشاهدهم بأم عينيه ، فكل ما نحن بحاجته مختزل في خيال واسع أودعنا إياه الله .

أحياناً عليك أن تشعر بأعاصير الإحساس الذي قررت أن تشعر به في لحظات من حياتك و تلمس تلك الصخور المتقاذفة في الهواء و تنظر من خلالها إلى زمن قديم .. قد تصل إلى عام 61 هـ .. إن وصلت إلى تلك اللحظة فأطلب منك أن تقف قليلاً إلى جانب ذلك العام لنحيي بعضاً مِنا قد تركناه في تلك الرفوف .

في عام 61 هـ أنظر إلى الأشجار و أنصت لحفيفها .. و إستمع إلى زقزقة العصافير و هدير المياه و صهيل الخيول ! ألا تشعر بأنه أمر مختلف عن ما نشعر به عندما كنا في عامنا الحقيقي ؟! ألا تشعر بتلك الدماء .. بتلك الصيحات .. بتلك النيران .. بتلك الأجسام و الأجساد ! إن كُنت لا تشعر فأنت إلى الآن في كفن الخيال كل ما عليك هو أن تُقلد ( دودة القز ) و تخرج من كفنك لتطير كفراشة تهيم عشقاً في زوايا الحياة ، و إنت كنت تشعر لنكمل هذه الرحلة في هذا العام المُختلف بتفاصيله منذ بدايته ، أنظر إلى تلك الرمال و كأنها تخبرنا بأنها فقط عشرة أيام كي تُشاهد شمس الأرض جسداً عفيراً و كفاً قطيعاً و ضلعاً كسيراً .. عشرة أيام يقرر فيها إنسان أن يكون حادياً ( * ) للبشرية كي يُعرفها ببقايا الحياة و يلم شتات الفكر الإنساني ، و يقدم مهجته و فلذات كبده فداءً لرب جليل عرف و قدّر .. ما هذه السنة الغريبة ! لماذا كل هذه الفوضى فيها ، فالصخور تنطق دماءً و السماء توشّحت السواد و الأرض تئن نوحاً و صراخاً و الهواء يرسمُ نيراناً .. على غير عادة هذه الأمور أن تصنعُ ما تصنع ! .

 على ماذا نحن مقبلين ، فشمساً تبكي خيوطاً ذهبية و قمراً أخفى نفسه خجلاً و نجوماً سحقت نفسها حُزناً و طيوراً ملطخة بلونٍ قاني تطوف العالم وهي تحمل أشلاءً صغيرة من بقايا ثياب ! .. وها هُنا نهر ينادي .. قتلني الظمأ فالإنسان لم يشرب قطرةً مِني و شرب غيره ! ، هي مُجرد أيام كانت ( لوحة الحياة ) تعيش حالة المخاض المؤلم و في نفس تلك اللحظة كانت هناك لذة نحو عشق إلهي أزليّ أبديّ ، في تلك اللحظات كانت التناقضات كُلها تقف صفّاً لتعلن أنها في حالة الإستعداد هذه منذ زمن طويل فقط لتشهد لحظة تُقدر بساعة من الزمن في عام 61 هجري في اليوم العاشر منه ، فقطرة دم ستعلن حالة الإنتصار الربّاني و يرفع صوت الأذان بـ ” لبيك داعي الله ” و ترتفع رايات عشق على كل جبل و في كل وادي أحس / سمع رنين ( يا حسين ) في أرضٍ في طرف من الأطراف تُدعي ( كربلاء ) .

 لنرجع قليلاً أيها المسافر .. فها هو هلالٌ شاهد تلك الوقائع ، لنترك له أقلامُنا و أوراقنا ليرسم و يحكي و يروي لنا ماذا شاهد في أطراف الليل .. فهناك كانت أسرار ( حادي الإنسانية إلى حالة الحياة من جديد ! )

 ،،

 ( * ) الحادي : الذي يسُوقُ الإبل بالحُداء.

خواطري

|| حــيـــدر ||

بعدها يبدأ ما يمسمى بالـ ( الرادود ) أو يمكنني جزافا أن أطلق عليه لقب ذو الصوت الشجي الثوري ..

الموكب إلا أن يخرج الدماء من ناصيته بكل رغبة جامحة و كأنها شهوة غزيزية لكي تصل الروح إلى مستوى عالي من حالة البكاء و الخوف على مولاها ( الحسين ) .. و فجأة ترى إنفجار الدم من كل الروؤس المطبرة لأجله و كل ذلك تأسياً بزينب بنت علي ( عليها السلام ) ، هذا المنظر لو تفكرنا فيه فهو يبكي الدماء الخارجة و ليس فقط العيون الشاهدة ، و لكن الأجمل من ذاك كله إن هؤلاء بعد حالة الغليان نرى فيهم حالة عجيبة و غريبة عند بكائهم فهم يبكون لا خوفاً بل حباً !
هل يوجد من لديه حسين كحسيننا !؟


فحسيننا بكى على الأعداء .. !
بإسم الحسين الطبرات ،،
و بإسم زينب العبرات ،،

و إن شاء الرحمن تلتقي دمائهم بدماءه الطاهرة ..


ودموعهم بدموعها الطاهرة
كل واحد و دينه
كلمن قوانينه
ما قلنا للناقد
لتفكيرك نعاند
و لا قلنا شاركنا
بكل ما تمسكنا
إنت إلك مذهب
بيه تفخر و تزهل

و أنا إلي مسلك
بيه ملزم مثلك
ليش انا ما أنشد
عن نهجك و عندك
ريتك تخليني
بحزني و دمع عيني
أجري الدمع و أسفح
و الثاوي بالمصرع

حيدر حيدر حيدر

 

في كل عام و في كل محرم و في كل أول عشرة أيام من محرم الحرام ،، نرى مبايعة صاخبة في الشوارعفي البيوت في الأبدان في الوجدان ،، نرى ثورة داخلية على النفس على الهوى على التأريخ على الظلم .

فنرى هناك من يقرأ العزاء ليبكي الحضور في لحظات روحانية خالصة منبثقة من حب الحسين بن علي

( عليه السلام ) .. و كيف لا و هو الإمام المعصوم الذي غدر من أهل الظلم و الظلال ، فيبدأ بقصص تأريخية حزينة ليوقظ الإعصار النائم في العقول و الأبدان ، فيثير المشاعر و تبدأ الدموع بالإطلال من بين الجفون .. و كأنهن زوار و بعدها يبدأ القارئ بزيادة رتم الحزن في كلماته و يبدأ بالقساوة على قلوب هذه الجموع الحاشدة التي تملأ المكان و فجأة ترى بركانا من الدموع يخرج ليعزي موكب الزهراء ( عليها السلام) في كربلاء ! ، بعدها يبدأ المقرئ بتهدئة الوضع كي لا يصبح دموياً منذ اللحظة الأولى و لكن البشر الباكين يرون لذة في البكاء على الحسين ( عليه السلام ) .
 
فنرى البشر كأنهم غابة منسوجة بكل أناقة عراة الصدور حاسري الروؤس يرفعون أيديهم إلى السماء و يجعلوها تهوي على أجسادهم العارية لتسجيل موقف حزين و كأنه أياديهم تقول ( لبيك حسين ) فالروح فداه و الأجمل في تلك اللحظة إنها تبدأ حزينة بطيئة ثم تنتقل إلى اللحظة الأكثر دموية و الأكثر ثورية فالكل يبدأ بالغليان و الإشتعال و اللطم بشكل سريع ووقع أقوى و فجأة تسمع ( يا حسين ) تدوي بينهم و تزلزل الأرض التي تحملهم ..