أفكاري

الإبداع والتفّاح

أحياناً يغزو الغرور خلايانا فنشعر أننا تمكنّا من الوصول إلى قمّة المجد الذي نبحث عنه، وفجأة تصفعنا الحياة وتُعلّمنا بأنّ الكمال لم يُكتب لنا، فنحن نُكثر من الأخطاء دون أن نلتفت إلى هذه الأخطاء، وغالباً في مرحلة ما بعد الشعور بالغرور تبدأ النفس بإدخالنا في متاهات الألم والحُزن، وللأسف لا نُحسن التصرّف مع هذا الحُزن النابع من النقد الذاتي واخماد فورة الغرور التي انفجرت في القلب، والبعض لا يُحسن التصرّف مع نقده الذاتي فيُدمّر ذاته، والآخر يترك الغرور يأكل ما تبقّى من عقله، ويُلهب قلبه ويختفي مع الزمن.

لو لاحظنا المبدعين جميعاً سنجد أنّهم إمّا وُلِدوا من رحم (مُعضلة) أو من ألم خالج أنفسهم، أو أنّهم مرّوا بتجربة فريدة من نوعها أهدتهم السلام الداخلي الذي يُحقق لهم قدرة على استنباط القضايا المبدعة في هذا العالم، ولديهم خصائص مُتشابهة كثيراً، فأغلبهم يمتلكون الرغبة في التعلّم الدائم في مختلف المجالات والاهتمامات، ويستثمرون وبشكل مُنتظم الفرص التي تمرّ وتكون هذه الفرص عظيمة للتعلّم والاستفادة والاستزادة، كما أنّهم جميعاً يُخصصون وقتاً للاكتشاف، سواء كان على المستوى الشخصي، أو على المستوى المُجتمعي.

هل تعلمون بأنّ شركة Apple مبدعة جداً في استقطاب المبدعين، فهُم يحاولون الاهتمام بكافّة التفاصيل وهذا ما جعل منهم نموذجاً للإبداع في شتّى المجالات، على سبيل المثال: مؤتمر أبل 2011، حقق أرقاماً قياسية في عدد الحضور وسرعة بيع التذاكر، لأنّ الشركة تمكنت من إيجاد نمط خاص بها، ووجه إبداعي قويّ، لو تلاحظون أغلب المواقع الالكترونية الخاصّة بالتقنية تحاول قبل انطلاق المؤتمر أن تكتشف بعض ابداعات الشركة، لكي يتمكنون من الحصول على أكبر قدر من الزوّار، قرأت الكثير عن هذه الشركة واكتشفت أنّها تعتمد على الابداع بشكل كبير، والكُتمان، فالأسرار تخرج برغبة منهم فقط، لا بطريقة غبيّة كما يعتقد البعض، إنّهم يسرّبون بعض الجمال للعالم ليتمكنّوا من تسويق مُنتجاتهم!، -تخيّلوا في يوم من الأيّام أسرّب لكم مقطعاً من روايتي القادمة-.

عندما كُنت مُصمماً مهووساً بالتصميم كُنت لا أتمكّن من النوم، لأنّ التصاميم والأفكار تدخل في رأسي فجأة، فإما أن أدوّنها أو أتجه إلى الكمبيوتر لتطبيقها مُباشرة لكي لا أفقد الفكرة التي تغلغلت في عقلي، تعلّمت في تلك الفترة أنّ الإبداع ليس عميلة وليدة اللحظة، وهيَ ليست هدية تُهديك إيّاها الأقدار، وإنمّا طريقة لو تمكنت من السيطرة عليها لتمكنت من اكتشاف وصنع الجمال في شتّى المجالات، إنّها عملية ليست بالسهلة ولا بالمُستحيلة، وإنما هيَ مُمكنة لمن يرغب بها، هي استثمار بعيد المدى، نصرف دقائقنا المحدودة اليوم لنجني في المستقبل عقلاً قادراً على حلّ المشكلات بطريقة ابداعية، وأٌقصد هُنا بالمشكلات أنّها العوائق التي تظهر لنا في كافّة حارات الحياة.

بعض المعوّقات:

  1. النوم: أعاني شخصياً في الفترة الماضية من هذا العائق، إن النوم سلطان كما يقول البعض، والحلول كثيرة، منها الإصرار على الاستيقاظ مُبكراً، فكما يقولون إنّ أهل الاستيقاظ المبكّر دوماً هُم الأكثر نشاطاً، وهذه بالنسبة لي حقيقة، فعندما كُنت أستيقظ باكراً كُنت أكثر نشاطاً، وحالياً أنا أعمل وفق جدول تُساعدني فيه زوجتي، عبر التدرّج الذي يُساعد على الثبات.
  2. المهام المُزدوجة: لا تساعد هذه المهام أبداً على استخراج الابداع، فلا في مواطن شاذّة، القاعدة تقول بأنّ التركيز يزيد من فرصة ايجاد حلول وابتكارات جميلة.
  3. مواعيد التسليم: أحياناً تكون ضاغطة وسيئة، عليكَ التعامل معها بشكل احترافي لتُحقق الهدف المنشود، فلا تجعل منك انساناً عجولاً بل لتجعل منك مبدعاً، وكُن خيميائياً -اختصر الطرق بطريقة مُحترفة-.
  4. المشاكل المالية: حاول التخطيط لها، فهي غالباً مُشكلة كبيرة، إذا ما لم تتمكن من إدارتها بشكل سليم، ومُعضلة لا تنتهي بل تكبر في بعض الأحيان، عليكَ بالتخطيط المبدع لسحق هذه المشاكل، وبعدها ستتمكّن من خلق مساحة مبدعة في عقلك.
  5. لا تخاف: أحياناً يكون الخوف وسيلة لإيجاد الحلول المبدعة، وأحياناً يكون وسيلة لجعلها تهرب من عقلك، فلا تخف بطريقة مجنونة وكأن الدنيا ستتوقّف، بل انظر ما هوَ أسوأ الأوضاع التي من الممكن أن تحصل معك؟ وستعرف كيف تتعامل مع الكثير من الأمور التي تخافها.

بعض التلميحات للحصول على تفكير ابداعي:

ما رأيك لو اخترت يوماً في الأسبوع أيّ أربعة أيّام في الشهر، أيّ 48 يوم في السنة، لتكتشف فيه شيء جديد لم تكن تعرفه، وتحاول تعلّمه.

جرّب قراءة أمر لا تُحبّه في أحد الأيّام، مثلاً الاقتصاد أو السياسة أو الدين أو الثقافة العامّة أو الروايات وغيرها من القراءات.

أحياناً الحلول المبدعة هيَ الحلول الأكثر بساطة!، حاول التفكير بعقل طفل!.

ابحث عن مصدر يُلهمك، ما رأيك بمشاركتنا على حسابي الخاص في تويتر (@HussainAlmatrok) يومياً في تمام الساعة التاسعة نطرح صورة ونحاول استلهام كلمات جميلة منها، شخصياً أحب استخدام إلهام الصور، أوليست الصورة بألف كلمة؟ كما أنني أحب قراءة الشعر والروايات والتاريخ، وكثير من الاستماع إلى المحاضرات والمراثي وخصوصاً تلك التي تُلقى على مسامعي باللغة العربية الجميلة.

اصمت وتأمل، ففي كثير من الأحيان عليك خلع رداء البدن، والهرب عبر الروح إلى خارج المُكعّب، ورؤيته من كافّة الزوايا.

– لعلّها الأهم، لتكُن روحيّتك عالية، اقرأ القرآن الكريم وتدبّر، وستجد الكثير.

أحياناً كثيرة، يكون الأكل مصدر إلهام بالنسبة لي، ما رأيُكم لو جربتم أكل التفّاح، وشيء من الـ KitKat.

 

شاركونا تجربتكم الإبداعية في مجالاتكم، فأغلبكم مرّ بتجربة إبداعية جميلة مُختلفة.

أفكاري

النزاع الإيجابي

 

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

سألني أحدهم: “تتوّقع إلى متى يكون الحال هكذا؟”
أجبته: “إلى أن نتمكّن من تحويل النزاع السلبي إلى نزاع إيجابي وتغيير النزاع وتحويله إلى إبداع“.

إن الاختلاف في المواهب والقدرات أمر طبيعي ناتج عن التنوع الإنساني، ومعرفة القوّة الكامنة في كل طرف تكون مصدر قوّة لتحويل النزاعات إلى إبداعات، والقائد الذي يتمكّن من إيجاد هذه الأرضية المُشتركة المُتمثلة في القوّة هوَ قائد رائع جداً، ويُصبح (قائداً لثنائيات) فتجد لديه قدرة كبيرة ورائعة في مجال (القناعة، والإنجاز).

[ قصّة ]

هناك في عام 1998 عامُ كأس العالم كنت في المرحلة المتوسطة وفي عامي الأخير في تلك المرحلة، كنت أمتلك صديقاً رائعاً وأتمنّى لقاءه في أيّامنا هذه لعلّه يتذكر شيئاً مما كان، اسمه “علي” وكان هوَ صاحب التنفيذ في أغلب الأحيان فلا يخاف شيئاً وكنت أنا مُجرّد مُفكّر صاحب الخطط حتّى على أرض الميدان في الملعب وكان هذا أمر مميّز فقد كُنت جيّداً في قضية التخطيط وكان هوَ مميّزاً في قضيّة التنفيذ، فقد كان لاعباً ممتازاً، وكان شخصاً قويّ البنية.

وفي ذلك العام دخلنا في معركة كروية بسيطة، وكنّا مُتجهين إلى مكان المعركة ولكن قبل وصولنا كُنتُ كثير القلق حيال أحجام الشباب وأعمارهم وقدراتهم!، أمّا هوَ فقد كان مُتجها للعب فقط! وكثرة كلامي في السيّارة أضافت له أبعاداً أخرى وأضافت لي شجاعة مُضاعفة استناداً على قوّته، وهذا ما حصل عندما وصلنا للملعب فهوَ استلم زمام الأمور الخشنة وأنا استلمت زمام تدبير تحركات الفريق من خط المُنتَصف!.

 [ أضداد ]

هذه هيَ الطاقة التي تُسمّى طاقَة الأضداد وهي طاقة غريبة جداً، فعلى سبيل المثال: “نشاهد أب يكونُ تارة مرناً مع الأطفال وتارةً أخرى صلباً، والأُم تكون عكسه تماماً!”، هذا الأمر هوَ ما يُسمى بطاقة الأضداد، فهذه الطاقة تتولّد للسيطرة على شيء ما، أو لكسب قضيّة ما، فأحياناً نجد إنساناً نشعر بأنّه إنسان يمتلك طاقة كبيرة، ويكون فعّالاً جماعياً ولديه قوّة ذاتية تمكنه أيضاً من الاعتماد على النفس، وأيضاً يُقال لا يكون قائداً إن لم يكن يتّبع، كل هذه الأمور هي أمور تخضع لقانون الأضداد، وقوّة التلاحم التي تنشأ.

[ في الداخل ]

“أتحسب أنّك جُرمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوى العالم الأكبرُ”قالها الإمام علي عليه السلام وترك الألباب تدخل في حيرة لا مخرج منها، هل دخلت المطبخ يوماً؟ وشاهدت الدمج ما بين المُكونات في لحظة الطبخ؟ وهذا الدمج يولّد لدينا طعام لذيذ جداً.

إن طاقتك موجودة في داخلك، فابحث جيّداً ..

[ الأفكار ]

كذلك يقول الإمام علي عليه السلام “خيركم من جمع عقول الناس إلى عقله”، وهذه الكلمة تضيف لا تفصل، إن إضافة فكرة جديدة إلى أفكارك أو دمج أفكار يخلق كياناً جديداً وإيقاعاً متميّزاً، حقيقة إنّ أحد أعظم الطاقات إن لم تكن هي الأعظم هي طاقة الأفكار، تخيّلوا معي فكرة كريستوفر كولومبس عندما قرر الإبحار نحو حافّة الأرض!، وغيرها من الأفكار المجنونة التي كانت.

[ نحو .. ]

كلّ ما أسقط في فخ صراع أو نزاع، أحاول أن أكون بعيداً بعض الشيء عن هذه الفتنة التي سقطت فيها محاولاً تطبيق “كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرع فيحلب ولا ظهر فيركب”، ولكنّي أجد نفسي أُسحَب إلى هذه الدّوامة بسبب أنني طرف رئيسي في مشكلة ما، وغالباً ما أحتاج إلى المفاوضات لكي نصل إلى أرضية مشتركة بإمكاننا العمل وفقها، وهذا ما أبحث عنه في مشكلتي الأخيرة، ولكنْ العائق الذي يقف كالصخرة الصمّاء التي لا ملامح فيها، هوَ وجود جُروح وصُدوع في النفوس البشرية التي أتعامل معها والتي أريد التعامل معها، وهذه المُعضلة تحتاج إلى وقت لتهدأ النفوس.

وفي هذه الفترة أتجه نحو:

1-     تحويل الشرارة بهدوء إلى طاقة إيجابية.
2-     أن لا أطلق الأحكام في الوقت الحالي.
3-     أغيّر نمط التفكير في هذا الوقت.
4-     تبنّي الأفكار الناجحة ودعمها عبر كافّة الوسائل المُتاحة لي.

فلا تهابوا التنازع بعد اليوم يا أصدقاء، فهوَ طاقة يجب الاستفادة منها، لا صرفها في النزاع، بل يجب تحويلها لتكون مورداً للإبداع المستمر.

 

(*) بعض ما كُتب هوَ من كتاب –النزاع الإيجابي- لداربي تشيكيتس