أفكاري, ذكرياتي

أعترف

في هذا المقال، أضع أمامكم عدداً من الاعترافات، عدداً من التجارب الحقيقية، تجارباً خضتها  وهيَ رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رغم كلّ المشاكل وكلّ الظروف القاسية والضربات المُتتالية في كثير من الأحيان، إلا أنّ مساحة الرضا كانت أكبر، وعلامات التفاؤل كانت أقوى، لهذا أدعوكم اليوم للتفاؤل رَغم كلّ غيوم الأسى التي تهطل دماً فوق رؤوسنا، أليسَ الصُبحُ بقريب؟.

أعترف لكم بأنني في بداياتي مع عالم التدوين لم أكن أعرف ماذا سأصنع؟ كيف سأصنع؟ ولمَ فتحت مُدوّنة؟ هل أمتلك أفكاراً مُختلفة!، لم أكن أعرف السبب، فقط كنت أكتب في تلك اللحظات خواطري البسيطة التي رميت الكثير منها في مُنتديات للأسف اندثرت، وأنهت تُراثاً كتبته فيها بسبب تعرضها للاختراق والبعض الآخر اختفى من عالم الإنترنت لأنّ القائمين على المنتديات قرروا التوقّف عن مشروعهم!، كتبت في بداياتي بطريقة بدائية، مقالات لا تتعدّى ال150 كلمة أو حتّى أقل!، لم تكن للمُدوّنة رسالة واضحة، أو حتّى نمط مفهوم!، كُنت أدوّن في كافّة المجلات دون أن أبتكر تصنيفات!، فالتصميم فوق الأدب فوق الرياضة وكلّ شيء مُتداخل بشكل بشع!، حتّى وصلت إلى لحظة لنشر ملفات تختص بالتصميم!، أشكر الله على ما وصل إليه الأمر الآن، وأتمنّى أن أتخصص في مجالات مُحدّده أكثر وأكثر، إنها تجربة استثنائية أعترف لكم بذلك، وأن تكون ضائع وتجد الطريق لاحقاً خيراً من أن تجد طريقاً لا تعرف كيف تخطو فيه!، أو طريق يقودك للهاوية.

أعترف لكم بأنّ عملي الأوّل (جئتك) لم يَكُن مُخططاً له أبداً، كتبته بشكل صُور مختلفة في كربلاء المقدّسة، محاولاً توثيق الرحلة بشكلٍ ما، لم أكن أحمل معي كاميرا فوتوغرافية للتوثيق، فاختبرت قدرتي على كتابة ما أشاهد بشكل مُبسّط، كُنت قبلها قد قرأت بعض الكُتب التي أعتقد أنّها وسّعت مداركي وأضافت لحصيلتي اللغوية، لهذا استعنت بقدرتي على التصوير اللغوي، ومشاعري الشخصية كتبتها بطريقة ما، مُستعيناً بكل الكلمات التي أعرف، أظنني أمتلك بعضاً من الأوراق تلك، كتبتها بخط رديء جداً، لا يُمكن فك طلاسمه!، فحتّى أنا الكاتب للكلمات سقطت في فخ تفكيك الرموز!، بعد عودتي إلى الكويت نصحني والدي بالمُحاولة، لتفريغ هذا المحتوى وفي تلك الأثناء وجدت أنني كتبت زيادةً عن اللزوم!، وصلت إلى كتاب وفصول قصيرة!، وبدأ مشروع توثيق الرحلة في كتاب يُطبع ويُباع ويتم التسويق له، في محاولة للنهوض بجيل لا يَكتب حتّى ذكرياته!، أعترف لكم أنّ كتابيَ الأوّل (جئتك) فتح ليّ الآفاق، وأعطاني دفعة كبيرة للاستمرار في عالم الكتابة.

أعترف لكم أيضاً بأنّ تجربة (علي ميديا.كوم) لم تكن فاشلة!، رغم انتهائها ودخولها النفق المظلم، إلا أنّها كانت تجربة فريدة ومميّزة جداً، هيَ نواة لدار نشر يُديرها الشباب، بدايتها كانت جنون وطموح كبير جداً، إلا أنّ وسائل التحصيل المالي كانت أسوأ مما كُنّا نتصوّر، فخدمات الكي نت والفيزا لها شروط كثيرة في الكويت، والباي بال لم يفتح مجال السحب إلى الآن!، وهذا أحد أسباب هروبنا من هذا العالم الذي كُنّا فعلياً نربح فيه أموالاً جيّدة إلا أنّه توَقّف وحالياً يُعاد تصميمه وهيكلته!، أعترف لكم أنّني نضجت كثيراً في هذه التجربة، ولا أخفيكم سراً أنا بحاجة لتجربة تجارية جديدة، أؤمن بأنّ التجارة تأتي بأموال جيّدة تقودك لتحقيق بعض الطموحات التي هيَ بحاجة لبعض الأموال، جدياً أفكّر بإطلاق خدمة التصميم عبر الإنترنت للأصدقاء، وخدمة المُساعد الشخصي لكاتب شاب، إلا أنني إلى الآن لم أرسم المنهج اللازم لهاتين الخدمتين.

أعترف لكم كذلك بأنّ تجربة الحصول على (ابن) هيَ تجربة مُثيرة، أسأل من الله أن يرزق من لَم يُرزَق، تجربة مُختلفة جداً عن كل ما نعرفه، هيَ مرحلة لاكتشاف مدى وعيك، قُدراتك على ترك هذا الابن على الاكتشاف!، قدراتك الخاصّة بالتحمّل!، لم أكن لأكون قادراً على الليالي الأولى معه لولا وجود طاقم نسائي مكوّن من زوجتي الغالية وأمّي وأم زوجتي برفقتي، هُم تمكنوا من صنع ما لا يُمكن للرجال مُجتمعين صنعه، أعترف لكم أننّي لازلت جاهلاً في عالم التربية، ولازلت طفلاً في عالم الآباء!.

آخر اعترافاتي هُنا، لم أكن أتصوّر في يومٍ من الأيّام بأنني سأستمر في مجال العمل الشبابي الرسالي، كُنت أسرُّ في داخلي أنني سأترك هذا المجال وأنا في قمّة نشاطي، ولكنّي في كلّ مرّة أجد أنني بحاجة لإعادة التفكير، فالعمل الرسالي لا ينتهي، والشباب لا يتوقَفون عن إدهاشك، فبينهم من هوَ مُصمم جرافيكس، وبينهم من هوَ كاتب وبينهم من هوَ …الخ، هذا العمل هوَ مجتمع جميل بكل أخطائه، وهوَ أفضل من التواجد في مُجتمعات فاسدة، أو مُجتمعات لا تعرف ماذا تريد من هذه الحياة!، فقط نوم وأكل وحوارات فارغة!، في العمل الشبابي وجدت الكثير، ولا أزال أكتشف المزيد.

أعترف لكم أنّي كتبت هذه الاعترافات وأنا بكامل قواي العقلية، أنا حسين مكي المتروك.

أفكاري, ذكرياتي, في العمل الرسالي

دَعَوا الله مُخلصين – 2

“يمكن لأي مخلوق صنع تاريخ مميّز وتاريخ سيء حول نفسه، فقط إذا ما قرّر، وهذا أمر جيّد وسيء في ذات الوقت، فما إن يقرر هذا المخلوق قراره المُهم، يجب أن يتحرّك ويعمل بقراره، فلا يمكن أن نقول بأنّ القرارات مُهمة بقدر ما يكون التطبيق، لأنّ التطبيق هوَ المكان الأمثل لمعرفة الصواب والخطأ.

لا يمكنني تصوّر وجود إنسان لا يمتلك أصدقاء، فهُم كالهواء، فعندما تجد نفسك مع أصدقاء يقودونك للتقرّب من الله عزّ وجل والاكتشاف والتطوّر، فاعلم بأنّك الآن بدأت رحلة جديدة في حياتك أسمّيها (الصداقة العُظمى) تلك التي تصنع منك عُنصراً فعّالاً في المجتمع بدل أن تكون خاملاً لا يقدّم شيء في هذه الحياة.”

××

الفكرة كانت رحلة للبحث عن الهدوء والاسترخاء والتفكير بشأن مستقبل هذه المؤسسة، على الرغم من أنّها كانت مجرّد تجمّع شبابي في البداية لا يتعدّى حضوره العشرة أشخاص، إلا أنّ الفكرة التي كانت تداعب خيال الجميع في أن يطوّروا من هذا العمل إلى أن يصبح رائداً ومثالاً يُحتذى به في المستقبل عبر تطويره والدخول في سباق مع الذات لتحقيق بعض الإنجازات المثيرة للاهتمام في مجال العمل الرسالي، إلا أن الحاجة للضحك بعض الشيء كانت مطلباً شعبياً بعد الاحساس بالنبذ من قبل المُجتمع الرسالي! فكلمة مُنشقين آذت الشباب وكلمة مطرودين آلمتهم، وهُم ترّفعوا عن الرد على هذه الأمور الغريبة، وآمنوا بأنّ الصمت هوَ الوسيلة الأفضل حالياً، والرد عبر العمل الجاد والابتعاد عن المناوشات وإيجاد الإخلاص في ذواتهم، فبعض الردود في هذا المجال قد تقود إلى حرب كلامية حقيقية مؤذية لجميع الأطراف.

الرحلة الأولى لمؤسسة شباب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كانت شخصية بحته، فلم يكن القرار نابعاً من مجلس إدارة أو حتّى مجموعة كبيرة، هُم مجموعة مجنونة من المبدعين الرائعين، قرّروا الذهاب إلى أحد الشاليهات للاستمتاع بأجواء البحر والشمس الدافئة وصوت البحر، وهُناك ترقبوا منظر الغروب الرائع، ولازلت أذكر كميّة الشوكولا والبطاطس المقرمشة التي أكلت في اليوم الأوّل! مما دعانا لشراء المزيد والمزيد قبل انطلاق البرنامج!.

وصلنا إلى الشاليه في الساعة الرابعة عصراً، تقريباً – وفقاً لتوقيت الصور! – وبدأ الشباب اليوم بالأوّل بالسباحة، إلى أن وصلت بعد صلاة المغرب، وكان الوضع رهيباً فالكل مستعد ويصرخ فرحاً وينشد الأناشيد، الجميل في الموضوع أنّ الابتسامة كانت على الوجوه، وأبلغت الشباب وقتها ببعض الملاحظات والبرنامج العام – الذي تمرّدنا عليه بشكل رائع -، ففي الليل كُنا نسبح في الحوض القريب منّا، وتقريباً كان احتلالاً علنياً فكل من كانوا في المنتزه لم يتمكنوا من الدخول إلى هذا الحوض لأننا وبعددنا الرائع كُنا فيه، والباربيكيو كان ملازماً للسباحة، فالصديق الأخ حسين ملكي هوَ قائد هذه المرحلة، أمّا أحمد الخشاوي فكان هوَ من يقوم بالتحضير بمساعدة حسن عبدالحميد وأحمد عبدالرضا، والجميل في هذا الموضوع أنّ المصورين كانوا متواجدين أيضاً، يوسف المهنا وصالح العبّاد، والمميّز أنّه بعد النوم قام حسين ملكي بأداء أروع أذان فجر في تاريخه، وقام بقراءة دعاء التوسّل! بشكل جماعي .. !.

في اليوم الثاني كُنا على موعد مع مجموعة ألعاب، منها بدون كلام، وس /ج، وسباحة في الحوض لمدة ساعات متتالية!، حقيقة كُنا نستمتع بالوقت، نضحك نصنع علاقات عُظمى دون أن نشعر عبر السعادة، ولو كانت وقتية، إلا أنّ أثرها كبير جداً، حتّى أنها (صنعت مخيّم الإمام الصادق عليه السلام الأوّل)، لا أنسى لحظات دعاء كميل بصوت الشاب علي الخالدي (المصمم المبدع)، نعم لم يكن ينقصنا إلا بعض البُكاء، فشاهدنا وقتها قناة الأنوار الفضائية وكان الشيخ الدكتور علي السماوي هوَ المحاضر، وانتهت المحاضرة وعدنا إلى نشاطاتنا.

الحضور في هذه الرحلة، عبداللطيف خالدي، أحمد عبدالرضا، حسين المتروك، حسين ملكي، صالح حبيب، عبدالله أشكناني، مهدي المتروك، علي الخالدي، حسن عبدالحميد، عبدالله بوحمد، حسين مقيم، علي الشيخ، محمد البلوشي، صالح العبّاد، أحمد الخشاوي وعلي حبيب.

سبعة عشر شخص، مبدعين تركوا بصمة لن تنساها مؤسسة شباب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أبداً، فهُناك كانت الانطلاقة والتحرر، نحو تفكير أكثر إبداعاً، هُناك اكتشفنا أننا سنقدر على صنع الفارق، لأننا تمكنّا من صنع الفارق مع أنفسنا، إنها بداية الحكاية، عدنا من الشاليه بتاريخ 2/10/2010 لكنّ هذه العودة كانت بداية مبدعة لفريق أكثر إبداعاً.

استمرت الهيئات في تلك الفترة، وكُنّا بانتظار فترة المخيمات الربيعية، لأننا هُنا اتخذنا القرار، سنكون أحد المخيمات الاستثنائية، وسنحاول تقديم مستوى جديد، وقدرات جديدة، فوجود كميّة من المبدعين تقود هذا العمل، هيَ أهم عناصر هذه الرغبة التي تولّدت لدى الشباب، لكن بعد العودة من الشاليه كانت لدينا وقفة بسيطة سريعة مع ذكرى عيد ميلاد صديقي المصوّر المبدع صديقي المهنّا، وبحضور الرادود الصديق الرائع قحطان البديري، .. حصلت بعض المشاكل في هذا العيد ميلاد!، والضحيّة كان …

يتبع
الأربعاء القادم

××

التوقف كان بسبب ظروف كثيرة، منها السفر إلى العراق، وكلّ عامٍ وأنتم بخير بمناسبة عيد الغدير الأغر، ونسأل من الله أن تكون عودة بلا توقّف.

أفكاري, ذكرياتي, في العمل الرسالي

دَعَوا الله مُخلصين – 1

أعود لاستكمال سلسلة مقالات (ذكرياتي في العمل الشبابي الرسالي) وهيَ عبارة عن مقالات أدوّن فيها ما حصَل للذكرى ولكي يكتشف القادمون في زمنٍ لاحق أخطاء الماضي وينطلقون إلى المستقبل الذي ينتظرهم، لم تكن هذه المذكرات لإيذاء أحد، أو التقصّد بذكر أحد، وإنما كانت للتدوين والحفظ، ولرغبة بعض شباب (مؤسسة الرضوان الشبابية) بأن أتوقّف عن الكتابة عن ذكرياتي معهم، فإني توقفت بعد العديد من النصائح من والدي والأصدقاء الحُكماء، وأعود لكم هذه المرّة مُتجاوزاً عدد من السنوات التي قضيتها في (مؤسسة الرضوان الشبابية)، علماً بأنّ السنوات التي تلت ما كَتبت كانت مبدعة رائعة مليئة بالمصاعب والنشاط.

سأتجاوز تلك الفترة وأقفز إلى 2/4/2010 هذا التاريخ العظيم بالنسبة لي شخصياً، ففي هذا التاريخ كان لي ولمن كان متواجداً شرف تأسيس مؤسسة شباب الرسول الأعظم (ص)، هذه المؤسسة التي يرى مُعظم الشباب العاملين فيها أنّها ستكون بإذن الله عنصراً فعّالاً في سفينة العمل الرسالي، وأنّهم أصبحوا جزء جديد وذراع جديدة لهذا العمل في العالم أجمع.

××

“المشاكل دوماً ما تًصاحب العاملين في مجال العمل الرسالي في كلّ مكان، فالمشاكل في كثير من الأحيان تكون عنصر القوّة الذي يرتكز عليه الإنسان، فقط عندما يتمكن من تحويل قواه (الغضبية) اتجاه المشاكل إلى قوّة (نافعة) في مكانٍ ما.

لا يوجد عمل كامل، بل هُناك أعمال تبحث عن الكمال في مجالات مُعيّنة، فالتميّز عنوان يبحث عنه جميع من يريد ترك بصمة في هذه الحياة، فأن تتميّز في الإخلاص ذلك أمر رائع، وأن تتميّز في نشاطك فذلك أمرٌ رائع، لأنّ النشاطات لم ولن تصل إلى مستوى الكمال، لهذا كان الهدف في مؤسسة شباب الرسول الأعظم (ص) هوَ التغيير في عالم العمل الشبابي الرسالي إلى الأفضل إن شاء الله، وآمنّا بأنّه من العظيم أن نترك أثراً في أنفسنا وأنفس الأصدقاء، بحثاً عن الأفضل في النفس البشرية”

××

أذكر أننا اجتمعنا في شهر ابريل، وكان الهدف أن نخرج من الأزمة التي دخلنا فيها بطريقة مبتكرة ورائعة ومفيدة بدل التذمّر والشعور بالخيبة، ففي تلك اللحظة كان المتواجدين (حسين ملكي، حسن عبدالحميد، أحمد عبدالرضا، يوسف المهنا، حسين مقيم، مهدي المتروك، صالح حبيب وحسين المتروك) -إن لم تخنّي الذاكرة- وهُم من قرّر الانطلاق نحو مؤسسة جديدة تضم في طيّاتها المبدعين في شتّى المجالات، وانطلقت أولى الهيئات وكان العدد لا يتجاوز ثمانية أشخاص وكانت تقتصر على قراءة كتاب وتحليله ونقاش بعض الأفكار، إلا أنّه كانت هُناك هجمة شعواء على هذا العمل في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وتمّ التشكيك في نيّة العاملين من قبل بعض الشباب الذين نسأل من الله لهم ولنا الهداية والمغفرة، كما أنّ التناحر كان ظاهراً وفي تلك الفترة كان من الصعب السيطرة على جميع مُجريات الأمور ولكن هُناك من هوَ واعي، ويقلل من حدّة الحوارات التي كانت تجري، لم تكن أيّاماً جميلة، بل كانت أياماً عصيبة، السيطرة على الأعصاب كانت صعبة جداً، وللأسف كان الكثير من الأصدقاء الرائعين -وإلى اليوم هُم رائعين في نظري- أظهروا وجهاً آخر غير الوجه الذي أعرفه عنهم، ضُربنا من تحت الحزام، حاول بعضهم إيقافنا بطُرق لم أعهدها ولم أتوقعها من هؤلاء الأصدقاء!، وكأن هذه المؤسسة ستكون (عقبة في طريق العمل الشبابي الرسالي!) صُدمت حقاً، أظهر البعض عداءً للشباب الذين كانوا مؤسسين لهذه المؤسسة وتناسوا الأوقات الجميلة التي كانوا فيها معهم!، حتّى أن أحد الرفاق اجتمع معي شخصياً وطلب منّي أن أبتعد عن مجال العمل الرسالي الشبابي وأتجه إلى مجال آخر، لستُ أدري إلى اليوم ما سبب هذه الهجمة التي كانت!.

حاول الشباب توجيه طاقتهم (الغضبية) الراغبة بالثأر نحو أولى النشاطات العلنية التي كانت في ذكرى (إيداع قميص الإمام الحُسين عليه السلام) وهو القميص الذي أودعته مولاتنا الزهراء عليها السلام عند السيّدة زينب عليها السلام، وتصادف هذه الذكرى ثلاث أيّام قبل ذكرى استشهاد الصدّيقة الكُبرى صلوات الله عليها، وارتقى المنبر المبدع الشيخ علي العيسى والرادود الحسيني قحطان البديري، وبهذه الذكرى أصبحت مؤسسة شباب الرسول الأعظم (ص) أولى المؤسسات التي تحيي هذه المُناسبة العظيمة، وبدأ الشباب بالشعور بالارتياح لأنّهم أصبحوا قادرين على أداء مَهام مُبدعة جميلة ذات لمسة احترافية.

ونظّم الشباب في المؤسسة برنامج (رحلة كاتب) وكان لهم الأثر الأكبر برفقة والدي في طريقة عرض هذا البرنامج، فلم يبخلوا بطاقاتهم، وأفكارهم، وجمال عطائهم، كانوا مبدعين ولايزالون مبدعين في عطاءاتهم، إنّهم عُظماء في حياتي، وبعد برنامج (رحلة كاتب) كُنت على موعد مع الزواج المبارك الذي حظيت به -ولله الحمد والمنّة- وساعدني الشباب أيضاً كثيراً ولهم وقفة مشهودة في ذلك اليوم، أسأل من الله أن أتمكن من ردّ جميلهم.

وبعدها كان التفكير في إقامة برنامج يجذب الأنظار إلى وجود المؤسسة على مستوى الكويت، لأنّها كانت صغيرة الحجم (عدد الأعضاء آنذاك لم يتجاوز الـ 20) ففكّر الشباب بشكل مميّز، وقرّروا أن تكون ذكرى مولد صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) هيَ المناسبة التي يجب أن تُقام وبشكل استثنائي للفت الانتباه، وفي تلك الليالي كانت المشاكل الداخلية عجيبة غريبة، فصديقي حسين ملكي يُحب أن يكون العمل مُتقن ولهذا نراه يبدأ بالصراخ على الجميع بحثاً عن استخراج ما فيهم من طاقات، رغم أنّهم قلّة إلا أنّه آمن بقدراتهم، وكان لحسن عبدالحميد وأحمد عبدالرضا ومحسن ملكي وجبة دسمة من الصراخ، أما مُفردة (أزعل) منعها الشباب من الخروج من ألسنتهم، رغم المشاكل وقلّة الدعم، إلا أنّ المناسبة أقيمت بشكل مغاير لما هوَ مَعروض في الساحة، فكان الرادود جليل الكربلائي والرادود أحمد الباوي والرادود قحطان البديري والشاعر عادل أشكناني والشيخ حسن البلوشي هُم من أحيا هذه المناسبة البهيجة، وبحضور غفير توزّعت العديد من الجوائز باسم إمامنا العظيم صلوات الله عليه، في تلك اللحظات أحسننا بأننا نمتلك القدرة على تغيير الأوضاع وتحويل الطاقات المهدورة، لازلت أذكر منظر الدموع المتجمّع في العيون، وكأنّ الشباب يقولون (نحنُ هُنا)، وثَّق هذا الاحتفال فوتوغرافياً (يوسف المهنا) ولازلت أذكر أنّ عريف الحفل كان المبدع (محمّد الباذر).

وحلّ الهدوء فجأة، ولم تكن هُناك مشاكل خارجية ولا داخلية، فكان التفكير هوَ سيّد المواقف في الكثير من الأحيان، رغبة كبيرة في الاستفادة من حالة الانتباه التي توجّهت نحو (المؤسسة) ودراسة الأفكار المُقترحة لتطوير العمل، وكان لزاماً أن تكون هُناك لحظات استرخاء للفريق الذي صنع البهجة على وجوه الناس، فكانت أوّل رحلة جماعية خاصّة إلى …

يتبع،
الأربعاء القادم

ذكرياتي, في العمل الرسالي

رحمة الرّب – مذكرات – ج3

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

لا تَعتَقِد أنّ جميع من في العمل الشبابي هُم واجهة الإسلام وواجهة الشباب في هذا العمل، فعلى الرغم من احتكاكهم بمجموعات شبابية كثيرة، والكثير من هذه المجموعات يكون فيها شباب مؤمنين إلا أنّ هذا الفرد قد لا يرغب بتحصين نفسه وتطوير ذاته من خلال هذا العمل، لا تُصدَم إذا ما شاهدت شخص يكون في هذا العمل ولديه أخطاء علنية، بل حاول وساعده لإصلاح هذه الأخطاء وتحويلها لإيجابيات يمكن استخراج طاقّة فعّالة منها، فالمُجتمع ككل مسؤولية كل إنسان يعتقد أنّه يمكنه تقديم النصيحة بشروطها وطرقها المشروعة.

(6)

لا أنسى تلك اللحظات الكثيرة في مؤسسة الرقيم الشبابية فالكثير منها قد يكون مجهول بالنسبة لمن هوَ خارج هذا العمل، وقد يكون بسيط هذا العمل برأي البعض، ولكنّه جبّار جداً، وقدّم للمجتمع الكثير من الشباب المميزين، وتمكن القادة في المؤسسة من تحويل هذه الطاقات لمصلحة الجميع وعدم احتكارها في قسم معين وطريق مُخصص، فلازلت أذكر معارك هاني الشريف وعبدالله زكريا ضد الرائع د.ياسر الرمضان عندما كنّا في طريقنا للعب كرة القدم (على وجه الخصوص) وكانت هذه المعارك تخص الصوتيات وكيف كان البعض يؤيّد الاستماع إلى الرادود باسم الكربلائي والبعض يؤيّد أن نستمع إلى الرادود صالح الدرازي وهذه كانت بعض الحروب الصغيرة وغالباً ما كان ينتصر أنصار اللطم الكربلائي، ولكن الحريّة دوماً وأبداً كانت متوفرة ولا تجد من يحاربك لأنّك تستمع إلى رادود معيّن، والأجمل من هذا كلّه أنّه كانت الكثير من الليالي كنت أذهب إلى الحُسينية الكربلائية برفقة الشاب عبدالله الخضاري وبرفقتنا كلٌّ من يوسف حبيب ابن خالتي– وعلي حبيب ابن خالتي– وعلي خليل ابن خالتي– وكنّا نلتقي بأصدقائنا الذين حضروا برفقة الشيخ حسن البلوشي وكانوا هُم المجموعة القريبة لي وكنت أتمنّى لقاءهم في جميع الأوقات، إلا أنّ تقسيم الهيئات كان يحول دون ذلك قبل الالتحاق بهيئة حسن البلوشي، ولازلت أذكر قصيدة (شفت بالنار خيمة مستعرة وذكرت الدار وفاطمة الزهرا) في تلك الأجواء الروحانية والجميلة وليالي محرّم العظيمة.

نعم هناك حروب داخلية، فقد كانت هناك رغبات بكسب أكبر عدد من الأصدقاء، وكان كلّ شخص لديه اهتمام بمجموعة معيّنة، فكنت أشاهد أحدهم يهتم بمجموعة من (الخربانين) وآخر يهتم (بالمميزين) والجميع يحاول أن يؤدي ما يرضي ضميره ولو بشكل بسيط.

قبل أن أنهي هذه اللحظات أذكر أنني في مرّة من المرات حضرت (محفل قرآن) كان يقام في مبارك الكبير في أيّام شهر رمضان المبارك، وكنت أشعر بالملل الشديد، وللأسف لا تسعفني ذاكرتي لتذكر اسم الأستاذ الرائع الذي كان يدير المحفل، ولكنّه وجّه سؤال غريب بعض الشيء لي بعدما أنهيت قراءتي، وقال لي: “لماذا أنت هنا؟” ولازلت أذكر ذلك الجواب “لأني أبي الوقت يمشي!” وساد الصمت بعدها في القاعة واستكمل هوَ القراءة!، حقيقة قد أكون اكتشفت في تلك اللحظة أنّي صريحٌ بعض الشيء!، ولم أكن أرغب بأن أكون فظاً مملاً، ولكنّ الجواب كان قاسياً بعض الشيء، إلا أنّ هذا الأستاذ تعامل مع الموقف بكل هدوء وابتسامة بسيطة أعادتني إلى رشدي، ومنذ تلك اللحظة وأنا أحاول أن أكون جاداً في المواقف التي تتطلّب الجديّة.

محاولاتي الأولى في الكتابة الجادّة بعيداً عن القصص والروايات وقد تكون هي ما قبل القصص فأنا فعلياً لا أتذكر هذا الأمر بشكل جيّد ولكن الكتابة عن مؤسسة الرقيم ساعدني على تذكّر بعض الأمور، فالمؤسسة كانت تمتلك مجلة شهرية تصدر كل شهر، وكانت بلون واحد فكنّا في كلّ مرّة نختار اللون فتارة نجدها زرقاء وتارة نجدها حمراء أو سوداء وهكذا، وكانت تحمل اسم مجلة الذكر وكانت توزّع في المساجد والحُسينيات وهي نشاط أحبّه كثيراً، قد يكون نشاطاً مُكلفاً إلا أنّه مميّز جداً ويعطي دفعة قويّة لأي شاب في الساحة، وكانت المقالة الأولى ملطوش نصفها من مجلة العربي أحبها كثيراً– ونصف آخر محاولة للكتابة، والمفاجأة وعلى الرغم من علم الشباب القائمين على المجلّة بأن الموضوع نصفه مسروق! إلا أنّهم عرضوه وخط اسمي تحته! كان الأمر مُخجلاً كثيراً، فعاهدت نفسي على المُحاولة، وكانت التجربة الثانية مع الكتابة عن هدّاف كأس العالم 1998 هاكان سوكور الكرواتي، وجمّعت بعض المعلومات وقمت بالربط وأرسلتها للصفحة الرياضية وعُرِضَت لي هذه المقالة، وكانت الانطلاقة نحو البحث المُجد حول المعلومات الصحيحة الموجودة، الأمر المؤسف هوَ أنني كنت أمتلك بعض النسخ من المجلة إلا أنني الآن لا أجد هذه النسخ، إذا ما وجدتها سأضعها لكم.

(7)

المُخيم الأخير هوَ أكثر المخيّمات –في مؤسسة الرقيم– قرباً لي، قد يكون هذا الأمر بسبب أنّه الأخير، وأحداثه الأخيرة تركت فيّ شيء لم تتمكن الأزمان من محوها، في هذا المُخيم كُنت قد عُيّنت كـ كادر مخيّم الشبيبة وهذا الأمر كان خطيراً وجديداً بالنسبة لي، فأن تكون كادراً يعني أن تكون مسئول وهذا أمر كبير بالنسبة لي، فمنذ اللحظة الأولى شعرت بالخطر وثقل هذه المسؤولية، وقد يكون الحدث الأهم هوَ أنني عاندت وكما نقول في الكويت (ركَبْتْ رَاسي) وقد قمت برفع صوتي والصراخ على المسئول عن الشبيبة في ذلك الوقت عبدالله خضاري واتّخذ قراراً بإرجاعي إلى المنزل بعد كل هذا الشغب الذي كنت قد قمت بقيادته وكان هناك سيلاً من كلمات التوبيخ والقريبة جداً من الشتم! وكيف أنّه ترك الحبال جميعاً وأنا قمت بتدمير هذا الصرح الجميل! وكنّا في منتصف الطريق وإذا باتصال يأتيه عبر هاتفه الذي كان في ذلك الوقت – نوكيا تايغر – طبعاً أذكر هذه التفاصيل لأنني كنت أبكي في السيارة! رغبة بالعودة إلى أسوار المُخيّم، وهذا الاتصال العظيم الجميل أعادني إلى أرض المخيّم وكان العم بوعلي جمال البلوشي هوَ الطرف الثاني في المكالمة، وكان هوَ إن لم أكن مخطئاً القائد العام وقراره يلغي جميع القرارات، وكان طريق العودة صامتاً، بسيّارته الباجيرو – معلومة مباغته أتركها هنا لكم، أخطر حادث حصل لي في حياتي كان بهذه السيّارة في ليلة السابع من المحرّم وقد يكون هناك مجال آخر أذكر لكم فيها التفاصيل – العودة بالنسبة لي كانت مفاجئة فما فعلته يُعد لدى البعض خرقاً لجميع القوانين (الاحترام، الاحتراف، التعاون، .. ) إلا أنّ المفاجئ هوَ أنّه فور ما دخلت السيّارة إلى داخل السور [ نعم لقد كان المُخيّم هذا في إحدى المزارع وكنّا –الشبيبة- ننام في شاليهات مُقسّمة، والكبار كانوا ينامون في خيمة كبيرة ] حصلت مفاجأة كبيرة لي، وهي أنّ الشبيبة كلّهم بانتظاري ويهتفون بهتافات تُطالب بعودتي واستقبلني العم الكبير بوعلي بالأحضان، وقام الشبيبة بحمل أغراضي وأخذها لمكان نومي ومنهم موسى البلوشي ومحمّد سامي وغيرهم ممن ذكرت أسمائهم في التدوينات السابقة، حقيقة كانت بالنسبة لي صدمة، فهل أنا أمتلك جماهيرية بهذا الشكل هنا؟! وبعدها بدأ الأوضاع تتحسّن كثيراً فهذه العودة شكّلت قوّة لي، فأصبحت بطلاً جماهيرياً، فكان البعض يستمع إليّ ولم يكن يستمع للقائد العام!، وهذا شكّل صدعاً كبيراً بيني وبينه.

في ليلة من ليالي المُخيم ضاع أحد الشباب وكان شبة مجنون ولكنّه فعلياً ضاع!، فهو غير موجود داخل السور!، وأذكر أنّي أثرت الهلع في أرجاء المُخيم وبدأ الكل بالركض بحثاً عن هذا الشاب، ووجده محمّد النجّار قرب الأشجار – إن لم أكن مخطئاً – وكان هذا الأمر مليئاً بالعواطف، فالكل كان خارجاً للبحث عن هذا الشاب فهو صديق الجميع، ولا يحب أحد أن يضيع هذا الولد.

(8)

النهاية كانت مؤلمة جداً، فقبل العودة من المخيّم وكالعادة كان آخر يومٍ بالنسبة لي مليئ بالبكاء والدموع – لم أكن أعلم بأنّها المرّة الأخيرة التي سألتقي بها بهؤلاء الشباب – وقد تعيدني هذه المدونة إلى بعضهم فحقيقة أفرح كثيراً عندما أسمع من (ابن خالتي) بعض المعلومات حول تلك الأيّام، فعبر هذه الطريقة كنت أعلم بأنّه تفاعل فعلياً مع ما كُتب هنا، وقد أصل إلى الكثير منهم عبر هذه التدوينات فما أنا إلا باحث، ولكن كل ما أعرفه أنّني إلى هذا اليوم أحترق ألماً بعد هذا الفراق الذي حصل.

الفترة الأخيرة كانت فترة الاحتضار، فكان أحد القادة وأترفّع عن ذكر اسمه يطالبنا بعدم الذهاب إلى مجالس اللطم والبكاء على الحُسين (عليه السلام) لأنّها مجرّد طقوس من وجهة نظره ولا تزيد فينا شيء، وهي مجرّد عواطف لا ثقافة فيها!، وفي مرّة من المرّات أصر على عدم ممارسة شعيرة التطبير واللطم فكان منّا أن علّقنا نشاطنا بشكل جماعي في هذه المؤسسة وتوقّفت بعدها الحياة في هذه المؤسسة، فلم يكن الشباب وعلى الرغم من صغر سنّهم سُذّج إلى هذه الدرجة، فهذا الإنسان له مواقف كثيرة لم تكن (مضبوطة) وبدأ بعض الشباب بتأييده، ولكي لا نشارك في هذا الأمر قررنا في آخر اجتماع الخروج من الاجتماع بشكل جماعي وعلني لكي نوقف هذه المهزلة التي كادت تكون أكبر مما كانت.

(9)

أترككم الآن مع مجموعة من الصور التي وجدتها في خزانتي وكانت من سفرة إيران عام 1998م، ويظهر فيها العديد من الشباب.

 

(10)

أترك هذه الكلمات للتاريخ، حقاً أنا أشتاق هذه الأيام وعلى وجه الخصوص أيّام مؤسسة الرقيم الشبابية وأيّام العلاقات المُعقّدة وإن كان بعضها جاء مُحملاً بسوء، إلا أنّها صقلتني وتركت فيّ ما تركت، وأكون كاذباً إن لم أكتب لكم أنّي بكيت كثيراً بعد نهاية هذه الفترة. فهي الفترة الأهم في حياة كل شاب، وهي الفترة التي أضافت لي الكثير، واكتسبت فيها صداقات من ذهب. شكراً لمؤسسة الرقيم على كلّ شيء.