وأطبق الحُزن على عينيه، وأعلن أنّه احتل مُدن قلبه، إنها الحياة القاسية، لم يكن يبكي بل كان يتنفّس، لم يكن يذرف الدمع، وإنما كان يجمع الذكريات لتُشكّل عُصارة البلل التي تخرج من عينيه لتبقى حيّة إلى الأبد، على الرغم من أنّ رائحة الفُراق تصنع مزيجاً من الجنون والموت! إلا أنه كان ينظر إلى السماء بعين مليئة بالرضا، لم يكن ينتظر إلا تجلّي عظمة الرّب في خلقه، فكان له ما أراد وألهمه الرّب قوّة الصبر التي تفوق كل القوى، وكان عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) مثله الأعلى، فاستلهم الصبر منه ومن بنيه.
طعُم الحياة بالنسبة له مُختلف، منذ زمن طويل، وها هوَ الموت يُمارس جبروته مُجدداً في حياته، وكلّ الأماني أصبحت مُجرّد أحلامٍ تلاشت، لا قُدرة له على استخدامها في حياته، لن يلاقيهم إلا بعد أن يُقرر الباري له أن يحزم حقائبه، ويَركُن جسده في لحدها، أو أن يلقاهم في عالم المَنام، وهوَ أيضاً قاسي، فما إن نحط الرحال في عالم الواقع، نجد أن كلّ شيء أصبح من الماضي الذي ينهش عقولنا وقلوبنا.
كلّ فصول حياته لا تُعادل فصله الأشد هذا، الموسوم بختم ثامر، رحل الأخ الابن، رحل الصديق المُخلص، وقرر الرحيل مُلبياً نداء ربّه، وترجّل عن الحياة الخادم الوفيّ لمولاه العبّاس بن علي (عليه السلام)، لم يذبل، لم يسقط في فخّ هذه الدُنيا الفانية، وتركَ ذكرى تحوم في أرجاء مجلس الحُسين (عليه السلام) اسمها دمعة ثامر الممزوجة بنوحِه الجميل.
وغادر هذه الحياة، ليحُط ركابه في محضر أسياده ومواليه، في حياةٍ هي الأجمل هيَ الأكمل، وكان كلّ إرثه، حُبّ الحُسين (عليه السلام)، روحه الآن أقرب من الوريد وجسمه أبعد من سماءٍ ثامنة، وداعاً ثامر الباذر.
وفاضت مآقي الأخ الأب، الصديق العظيم، مُحمّد، بحرارة، بوجع يغمس الآه في عتمة الأرض، مليءٌ بالإيمان حبيبي مُحمّد الباذر، مليء بصبر زينب بن علي (عليها السلام)، مُتيقناً بأن ثامر بين يديّ أمير المُؤمنين عليّ (عليه السلام).
××
عظّم الله لكَ الأجر حبيبي مُحمّد الباذر
في 28 من شهر رمضان المُبارك 1432هـ الموافق 29/8/2011 رحل الأخ العزيز والصديق الوفيّ ثامر الباذر إلى ربّه بعد تعرضّه لحادث أليم، ورحلة استمرّت أياماً في هذه الدُنيا.
لروحه نُهدي الفاتحة مع الصلاة على مُحمّد وآل مُحمّد ..