خواطري

والمنايا خلفهم ..

خرج الحُسين (عليه السلام) بركبه المهيب، لتخرج الأنفاس بعدها من مُحيط أجسامها، لتُعانق هذا الركب الذي ضمّ في ملحودته أجمل أنواع الصخب الذي لا يهدأ، إنها أحاديث عِشق الرّب الجليل، وحكايات الإسلام الخالدة التي لا تنضب، ونستسقي منها إلى يوم نبعث، في الركب آخر أبناء القرآن الناطق، وآخر ابن بنت نبّي، خارجاً من أرض المدينة المُنوّرة، مودّعاً قبر النبّي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وطفلةٌ صغيرة أعياها المرض، باحثاً عن نصر دين الله القويم بدماء النُبلاء.

لم تكن رحلة عادية، أو موكباً بسيطاً، هوَ الموكب الأكثر استعداداً للموت في التاريخ، هوَ الموكب الأكثر قرباً من الله على مرّ العصور، إنّهم أحفاد نبّي الرحمة، يعيدون رسم الخرائط، تاركين كلّ البصمات الضرورية لاكتشاف جوهر الإسلام، ارتحلوا مع نسمات الفجر، زرعوا الأمل في قلوب البشر، أرعبوا الطغاة، رسموا لوحة كونية عُظمى، فها هوَ الحُسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يرأس الجمع، وينظر إلى عين أخيه العبّاس (عليه السلام) وهوَ يُركُب فخر المُخدرات الهاشمية المظلومة زينب بنت علي بن أبي طالب (عليها السلام)، في محمل العز، وها هي عشيرة الحُسين في حالة من الاستعداد لأداء مناسك الموت، إنهم يعلمون، يبحثون، لا يهربون، إنهم يعلمون أنّها رحلة المنايا والرزايا، لا يُهمّهم إنّ وقعوا على الموت أو وقع عليهم، يبحثون عن رضا الرّب الجليل.

إنّ الحُسين (عليه السلام) يحمل في هذه الرحلة أثمن القرابين، أقمار بني هاشم، لا عديل لهم، تطوى الأرض من تحتهم نحو مَجدٍ تليد، في أرضٍ تُدعى (كربلاء)، ها هوَ شبيه مُحمّد (صلى الله عليه وآله) يتركُ آثاره الأخيرة في بوادي جزيرة العرب، إنّهم وطنٌ مُتحرّك في الصحراء، لم يخضعوا للإرهاب، ولم يقفوا على ساحل الخوف.

××

في العام الـ 60 من الهجرة، خرج هذا الموكب العظيم ناحية مكّة المُكرّمة، في مثل هذا اليوم الموافق 28 من شهر رجب الأصب، ليترك فيها بعد أكثر من ألف سنة، ألف ألف ذكرى، وأكثر منها تعاليم ربّانية ودروس علمية.

خواطري

ضريحٌ في المدينة ..

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

أزقة القلب مُظلمة، والعروش خاوية، والأشباح تعتلي القبور!، عظيمٌ هوَ هذا المَنظر، ففي كلّ زاوية هناك أشلاء مُلقاة على قارعة العشق، هوَ عشق الإسلام العظيم، هي ذكريات لا تكتفي بالبقاء بينَ دفّتي كتاب، فأحضان الكُتب لا تتسع لكل هذه الذكريات لتبقى إلا مستيقظة، مُتقدّة، كشُعلة نار تخترق الحُجب لتصل إلى العقل وتُطلق صرختها الأوفى، لبيكَ يا إسلام.

ساعات تُبتَلع، ساعةً تلوَ الساعة، والحُمّى تتسرّب إلى البدن كما يتسرّب الماء تحت صخرة في نهر، هذه الحُمّى تذيب الملامح، وتصفع الجباه، وتركن إلى عموم معشر الدّم!، هي ليستْ خرساء ولا صمّاء، فأنينٌ يصدرُ من صدره، ولون أصفر يُرى من فوق شاهقة القنا!، والأيام تمرّ مُرور الغيوم ولو تباطأت، إلا أنّ اللمسات تُحرقه، والنظرات تسقيه لوعة وفراق، وفي السماء اصطفّت القيثارات لتعزف لحن الوداع الأخير، ويُملأُ هذا اللحن بترانيم ربّانية، وضلعٌ نُحت في صدر السماء المُظلمة بدأ بالنضج، ولكنّه دامي في السابع من شهر صفر.

عطرٌ لا يُكتفى منه، وقلبٌ لا مثيل له، مُرهف، يقرأ الشفاه الذابلة الصامتة، ويشعر بالشتات الذي ستعيشه، يرى أجنحة السياط ترتقي الأبدان، ينظر إلى كلّ لحظة تكون فيها زينب -عليها السلام- مَسبية، وكلّ ثانية تُطعن فيه أحلام الطفولة، وتُنسج فيه الثياب من الدموع المُنهمرة على جسدٍ قُطِّعَ جانب نهر العلقمي.

خيوط الضباب، وستائرُ الحُزن، وكبد تمزّق لتبقى راية الإسلام، ليلة طويلة وألمها عميق، وكلّ الأوجاع تقفز لتحتَل مجموعة كراسي المُقدّمة، إلا أنّ ألم هذه الليلة يخترق كلّ شيء، بارعٌ جداً في استحضاره -عقلي-، يَتفننُّ هذا اليوم بتعذيبنا، فالكلمات كالطلاسم، والحروف تختبئ تحتها ألف ألف كلمة، دثّريني يا كلمات أو افتحي الأضلع لأحتضن قلبكِ، فالرياح عاتية، وباردة كالزمهرير، وأتمنّى الموت من شدّة الاختناق البارد!.

لم يكن الهدف، مُلك أو كُرسيّ رفيع في البلاد، بل كان لابُدّ لراية الإسلام أن تعتلي وترتقي كافّة المنابر، فهناك في الشام أعواد ارتُكبَت باسمها الخطيئة وكم كانت هذه الخطيئة عارية، مُكدسّة الأحقاد، ولا يُمكنها أن تئدُ الصرح العظيم، بل كان الحَسن بن علي -عليهما السلام- هُو الإعصار الذي مرّ على قرية ميتة فأحيا كلّ ما فيها!، لا يُمكن للإسلام أن يحتضر، فللبيتِ ربٌّ يحميه.

معركة دارت رحاها في القرون الأولى، بينَ هابيل وقابيل، وسقى قابيل الموت لأخيه وصعق الدُنيا بمثل هذا الجُرم، ومنذ تلك اللحظة والشوارع تُقاسَم بين القاتل والمقتول، بين الحقّ والباطل، لا يُمكن أن يكونا في الجنّة!، فالقاتل والمقتول ما بين الحقّ والخديعة، والمَكر يجثو على ملامح المُرتحلين إلى النار، أنشودة الغَضب ستُعلنُ في آخر الأيّام، فانتظروا عند ذلك القبر وشاهدوا تلكَ المَحنية ظهرها المَكسور ضِلعها.

قبر، هذه الكلمة تؤلمني، فهذياني لا يسمح إلا أن يكتب ضريح، والأرض بطغيان بنيها تَرفض مثل هذه الكلمات!، أعتذر، مُشاهداتي مُختلفة، أرى ضريحاً تعتليه قبّة شامخة ترتفع عالياً، إلا أنّها تُطأطئ لقبّة الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله-، والسهام خُلِّعَت واستبدلت بالورود، والدماء السائلة فوق الكفن، عُظّمت، ألا ترون كلّ هذا، أراه في المدينة المُنوّرة في البقيع الغرقد، إلا أنّ هناك من تَعتلي بغلة، لستُ أدري ماذا ستصنع!؟. 

××

قال الحًسين عليه السلام

أَ أَدْهُنُ رَأْسِي أَمْ تَطِيبُ مَجَالِسِي — وَ رَأْسُكَ مَعْفُورٌ وَ أَنْتَ سَلِيبٌ‏
أَوْ أَسْتَمْتِعُ الدُّنْيَا لِشَيْ‏ءٍ أُحِبُّهُ — أَلَا كُلُ‏ مَا أَدْنَا إِلَيْكَ حَبِيبٌ‏
فَلَا زِلْتُ أَبْكِي مَا تَغَنَّتْ حَمَامَةٌ — عَلَيْكَ وَ مَا هَبَّتْ صَباً وَ جَنُوبٌ‏
وَ مَا هَمَلَتْ عَيْنِي مِنَ الدَّمْعِ قَطْرَةً — وَ مَا اخْضَرَّ فِي دَوْحِ الْحِجَازِ قَضِيبٌ‏
بُكَائِي طَوِيلٌ وَ الدُّمُوعُ غَزِيرَةٌ — وَ أَنْتَ بَعِيدٌ وَ الْمَزَارُ قَرِيبٌ‏
غَرِيبٌ وَ أَطْرَافُ الْبُيُوتِ تَحُوطُهُ — أَلَا كُلُّ مَنْ تَحْتَ التُّرَابِ غَرِيبٌ‏
وَ لَا يَفْرَحُ الْبَاقِي خِلَافَ الَّذِي مَضَى — وَ كُلُّ فَتًى لِلْمَوْتِ فِيهِ نَصِيبٌ‏
فَلَيْسَ حَرِيبٌ مَنْ أُصِيبَ بِمَالِهِ — وَ لَكِنَّ مَنْ وَارَى أَخَاهُ حَرِيبٌ‏
نَسِيبُكَ مَنْ أَمْسَى يُنَاجِيكَ طَيْفُهُ — وَ لَيْسَ لِمَنْ تَحْتَ التُّرَابِ نَسِيبٌ (*)

××

عظّم الله لكم الأجر في ذكرى استشهاد فخرنا وإمامنا الحَسن بن علي عليهما السلام

—————————————————

(*) المصدر: بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 44 / 160، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .

خواطري

الحسين عشق الأفلاك

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على اشرف الأنبياء و المرسلين أبي الزهراء محمد و على آله الطيبين الطاهرين و اللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين ..


أنتَ إمامُ العِشق ِ يا سِرَّ السَماءِ
يا آيةَ الرّحمّن ِ يا حُبَّ نبينا
**
هامَتْ بِكَ الأفلاكُ يا نَبعَ الضِّياءِ
وَ بِنورِ عَرشِ الله قَدْ خُطَّ حُسينا
بالحاءِ قَد حِرْنا يا روحَ الإباءِ
و السينُ قد صارتْ سِحْرُ العالمينا
و الياءُ مُذْ رُسمَت بنورِ الوفاءِ
و النونُ قد طٌبعتْ على قلبٍ حَنينا
**
قد جاءكَ فُطرسْ مَقطوعَ الجناحِِ
بالمهدِ قد لاذَ بِشوقٍ حزينا
و عادت الجُنْحانُ تَرنو في المساءِ
و غَرامُ حُبِ النونِ أوحى بالجُنونا
تالله بالشوقِ و اللحّنِ الجَميلا
فيه حُروفُ العِشقِ فاحَتْ ياسمينا
**
يا قِبلةَ الأحبابِ يا سِبْطَ الهُداةِ
ذي العز و الإكرام ذا شبلُ الأمينا
و الآلُ تلحقه بأبهى نداءٍ
و الشمس و القمر تناجي وا حسينا
حُسيّنُنا جُنّة و الطفًّ مَثواهُ
بالصوتِ بالقلبِ بعشقٍ قد دَعينا
**
مِحرابُ جودِ اللهِ و الطودِ العظيما
كيفَ الوصولَ إليّكَ يا حصناً حصينا
فالأرضُ و الأشجارُ و النهرُ القديما
تأتيكَ زاحفةٌ تقولُ مُنْ علينا
إليّكَ يا مولايَ أهديكَ كلامي
و إنني أرجو عَفواً يا حسينا

5/8/2008

هي مجرد محاولة شعرية في حق الإمام الحسين عليه السلام ، و هي أول محاولة لكتابة قصيدة لذكرى مولده الشريف .. فأسأل القبول إن شاء الله .

خواطري

لا نبالي أن نموت محقيّن ..

بسم الله الرحمن الرحيم 

عظم الله لكم الأجر

دخل شهر الدماء ، دخل شهر النساء الهائمة في العراء دخل شهر الحزن و البكاء ، آه آه .. كم هنا يقف الحزن ليسجد في نهاية الأمر للحزن الأكبر ! ، حسيننا مات عطشانا ، عرياناً في هذا الشهر ، حسيننا قتل بيد العدا على حر الرمضاء في كربلا ، حسيننا هو القلب الكبير الذي إحتوى كل الوجود و بلغ بحبه و عشقه درجة الخلود ، حسين .. هو الصرخة الحية في ضمير العالم ..

متى ما أرخت السماوات ستائر الليل ، سنكون دخلنا في ظلام عاشوراء مكتسين بالحزن و الأكفان متوشحين بالدموع و الأشجان نعزف أجمل مقطوعات العشق على أوتار الحب و الغرام ، فكما قالها ” عابس ” جنني حب حسين .. هو هو الحسين ..

الحسين ، سيد العاشقين و مولى التائبين .. لتكن لنا وقفة في شهر العزاء لنقول ” حسين ” بأعلى أصواتنا لتكن مدوية لتصل من كل أطراف العالم إلى كربلاء الأشلاء !

فلنلطم ، فلنبكي ، فلنطُبر ، فلنفكر ، فلنحيا و نموت .. في ذاك المولى العظيم ، حسين

علي الأكبر – عليه السلام – ( لا أراك الله سوءً ، ألسنا على حق ؟ )
الحسين بن علي – عليه السلام – ( بلى و الذي إليه المرجع )
علي الأكبر – عليه السلام – ( يا أبت إذن لا نبالي أن نموت محقين )
الحسين بن علي – عليه السلام – ( جزا الله من ولدٍ خير ما جزى ولداً عن والده )

– مقطع من حوارات الطف العظيمة –
تاريخ الطبري ج 6 ص 231

،،