تعرّفت في ما مضى على قاتل محترف!، يمشي أمامي بهدوء، ينتقم بطريقة مجنونة، يقدّم دروساً مجانيّة لكل من يتقرّبون منه، هوَ يضيف شيء، لا يعرف الملل إليه طريق، يقتل وينحر الوقت بشكل رهيب، مُرعب، يخيف الجميع، لأنه قادر على ابتكار الطُرق المُختلفة بين الحين والآخر، هوَ مميّز إلى درجة أنّه معروف لدى الجميع، وكلّ من هُم ضدّه لم يتمكنوا من قتله إلى الآن، فهوَ كما أخبرتكم متطوّر يُلاحق الأساليب الجديدة، بل إنّ البعض يطلب رضاه لكي يُعطيهم شيء من هيبته!.
هذا القاتل هوَ (فعل) القراءة التي تُضيف لنا الكثير، هوَ فعلياً قاتل للملل، هوَ قاتل لضياع الوقت، هوَ قاتل لكثير من الأمور التي نكرهها، هوَ قاتل للكآبة!، هوَ مُثير لدرجة الجنون، يغيّر بشكل مميّز، يصنع الكثير، قاتل مجنون، يصنع ما لا يقدر على صنعه الكثيرون، لم أتعرّف في يومٍ من الأيّام على شيء يتمكن من فعل كلّ هذا وأنا جالس في مكاني، لا أتحرّك وأسافر إلى عوالم مُختلفة، تارةً أجد نفسي في غابة مثمرة، ومليئة بالأشباح!، وتارةً أخرى .. أجدني وصلت إلى كربلاء لأشاهد بعين البصيرة تلك الأحداث التي غيّرت مجرى التاريخ إلى الأبد، هكذا هوَ هذا الصديق المجنون، قاتل مُحترف.
قبل أشهر كُنت مُهتماً بتطوير الشباب بشكل عام ليكونوا كُتاباً رائعين ينقلون تجاربهم إلى أقرانهم على الأقل عبر الكتابة، لأنّها عبارة عن توثيق طويل المدى لتجربة مُختلفة لكل منّا، ولكن للأسف اكتشفت أنّ البعض يريد كتابة ما هوَ رائع دون أن يقرأ ما هوَ رائع في مجاله، ويريد أن يكون الكاتب الألمعي دون أن يتعرّف على القاتل الذي يزيح العقبات من أمامه، هوَ ليس مُجرّد قاتل هو .. صديق عظيم يُدمّر الصِعاب، هوَ طريقة للتعلّم الدائم، وفي كلّ مكان، فلا شيء يقف في طريقك لتكون (قارئاً/قاتلاً مُحترفاً) التدرّج مُهم جداً هُنا، فالبعض فعلاً لا يُحب القراءة، كما أنّ البعض لا يحبّون الدواء، لكنّهم يتحملون مُرورة الدواء ليكونوا أصحاء، هكذا هُم المحترفين يتحمّلون بعض الصِعاب ليصلوا إلى مبتغاهم، نصيحتي لكُل الكتّاب، والراغبين بالدخول في مجال الكتابة، سواء المقال أو القصّة أو الرواية أو المذكرات أو … الخ، عليكم بالقراءة، عليكم بالقراءة، عليكم بالقراءة، فهيَ فعل مميّز، يرتقي بكم إلى أماكن لم تكونوا تشاهدونها في حياتكم.
قد تلاحظون أنني استخدمت كلمة (قاتل) لا (قاتلة)، لأنني أتحدّث عن (فعل القراءة)، أن تقرأ وأن تُمارس عملية القراءة، أن تكون قاتلاً مُحترفاً للملل بالدرجة الأولى، وقاتلاً للجهل، وغيرها من الأمور التي تُنكّد الحياة، فالقراءة فعل حقيقي لا كلمات تُكتب وتقال ليتم تداولها، بل علينا تداول ما نقرأ ونناقش ما نجده رائع، لنجد أننا بعد عدّة أشهر تغيّرنا إلى شكل آخر.
تجربة بسيطة مررت بها شخصياً، أحبّ نقلها إليكم، فيما مضى لم أكن أعلم عن ماذا أكتب، أو عن ماذا أتكلّم في محضر الرفاق أو إذا ما دُعيت إلى مكانٍ ما، فأكون ذلك الشاب الخجول الذي يتوقّف عن الحديث في حضور من يمتلكون ثقافة جميلة تستحق النشر، وإذا ما تمّ سؤالي، أجدني أتلكأ في الإجابة، وأتوه في غياهب البحث عن كلمات، فقررت الاستماع لنصيحة والدي حول القراءة، فبدأت بالبحث عن المواضيع التي أحب، وانطلقت في عالم القراءة منذ تلك اللحظات التي بدأت فيها بالتفكير بتحقيق أهداف مُختلفة، واليوم أصبحت أحبّ القراءة، لأنها فعل مميّز، يضيف الكثير، ويصنع الكثير، وإلى اليوم أحب نقل تجربة القراءة والكتابة في كلّ مكان.
”أحياناً نُحب، ولا نعرف السبب، وفي أحيان كثيرة، نُحب ونعرف الأسباب الرائعة“