أفكاري

الإصلاح


 


بسم الله الرحمن الرحيم


و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أبي الزهراء محمد و آل بيته الطيبين الطاهرين و اللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين


كنت أرغب بكتابة مقالة حول الإصلاح و كيفيته و غيرها من الأمور و كنت أجمع بعض المصادر و شاهدت هذه المقالة التي أعجبتني كثيراً للسيد الراحل المرجع آية الله محمد الحسيني الشيرازي قدس سره ، في كتابه [ مقالات ] و أثرت فيني بشكل كبير جداً ..

هل يمكن الإصلاح؟
 

 

كلنا نعرف الداء، وإنما الخلاف في الإصلاح، فالأغلبية الساحقة يرون أنه غير ممكن، ولهم حجج ومستندات.
يقول فريق: إن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مع كثرة اهتمامه بالإصلاح لم يتمكن، مع أنه كان مثالاً لكل شيء.. للعدالة والنشاط والدين..، وكان بصيراً بمواقع الأمور ومصادرها.
ويقول آخرون: إن الوقت هو الوقت الذي أخبر به النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) بكونه آخر الزمان، ولابد أن يقع ما وقع، ولن تجد لمشيئة الله تعالى تحويلاً.
ويقول زمرة: يدور العقار المنتج مدار وحدة كلمة العلماء فإن اتحدت صلح الناس، وإلا فلا يرجو راج ذلك لأن الاتحاد محال..
ويقول ثلة: اتسع الخرق على الراقع، فلا يفيد كلام وعظة، وصياح ونياح، وبكاء ولطم، وقلم وقدم.
ويقول جماعة: نحن لا نتمكن من إصلاح أنفسنا فكيف نتمكن من إصلاح غيرنا.
ويقول بعض: إن الغرب والشرق فغرا فاهما لالتهام هذه العدة القليلة من المسلمين، وليس للمسلمين عَدد ولا عُدد، ولا سلاح ولا كراع، وليسوا مجهزين بما يتطلبه الزمن، من الآلات والمعدات، والمعامل والمصانع، والمدافع والقنابل، ومع هذه الأوضاع لا يمكن تقدم شبر.
ويقول فئة: لو فرضنا أن أحداً قام بالإصلاح، رماه – حتى أقرب الناس إليه – بالجنون، وأخذ الأجرة، والعينية، وما أشبه، وبذلك تسقط كلمته، ويذهب هو بنفسه شهيد التهمة، فإنه مع عدم تمكنه من الإصلاح، أفسد نفسه، وأذهب بروحه على عالم آخر.
وهكذا يقولون.. ويقولون..
أنا أدري: أن كل نهضة، وكل فكرة، كانت مهددة في بدو أمرها بكل هذه، وقد لاقت كل هذه المتاعب والمصاعب، وجوبهت بجميع هذه المجابهات، ومع ذلك فقد نجح كثير منها، مع أن ما يذكرونه بعيد عن الصواب، فإن علياً (عليه السلام) وفق للإصلاح تمام التوفيق، إذ ليس شرط الإصلاح: أن يستتب الأمر له في زمان حياته، ولو نظرنا إلى ما بذره علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، لرأينا غابته الشجراء التي تكونت ببركة بذرته، ولا تزال تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وحديث كون الوقت آخر الزمان: لا يدعمه شاهد، وقد ظن كل قوم هذا بالنسبة إلى زمانهم، وأما وحدة كلمة العلماء فليست هي المدار الوحيد – على ما يزعمه القائل – فإنه لم ينزل الله بذلك من سلطان، مضافاً إلى أن توحيد كلمة العلماء على المصلح المشمّر ذيله، غير عزيز، وهل تفوّق الحكومات الأخر والمبادئ الشائعة في غرب الأرض وشرقها ناجمة من اتحاد كلمة علمائهم؟!
ومن يقول: لا ينفع كلام وعظة، فهل يدعم كلامه دليل؟ أو أوحي إليه من يوحي إلى أوليائه؟ وهل كل هذا الأثر الباقي إلا من الكلام والعظة؟!
ولا كلام لنا بمن لا يتمكن من إصلاح نفسه، فهو بمعزل عن مدار الكلام، وإنما نطاق الحديث يدور على من يزعمون الإصلاح، نعم حديث الغرب والشرق صحيح، لكن صحة هذا، لا يمنع عن الفكر وتداول الكلام حول طريق الإصلاح، والتاريخ يشهد على أن المسلمين كانوا يرصدون غزو الغرب والشرق، فما عكس الأمر منذ نصف قرن تقريباً، هو كفيل بأن يجري المياه في مجاريها الأولية.
وأما رمي المصلح بالجنون وما أشبه، فكم له في التاريخ من نظير، وكم نجح الذين رموا بالجنون ونحوه.