خواطري

|| حــيـــدر ||

بعدها يبدأ ما يمسمى بالـ ( الرادود ) أو يمكنني جزافا أن أطلق عليه لقب ذو الصوت الشجي الثوري ..

الموكب إلا أن يخرج الدماء من ناصيته بكل رغبة جامحة و كأنها شهوة غزيزية لكي تصل الروح إلى مستوى عالي من حالة البكاء و الخوف على مولاها ( الحسين ) .. و فجأة ترى إنفجار الدم من كل الروؤس المطبرة لأجله و كل ذلك تأسياً بزينب بنت علي ( عليها السلام ) ، هذا المنظر لو تفكرنا فيه فهو يبكي الدماء الخارجة و ليس فقط العيون الشاهدة ، و لكن الأجمل من ذاك كله إن هؤلاء بعد حالة الغليان نرى فيهم حالة عجيبة و غريبة عند بكائهم فهم يبكون لا خوفاً بل حباً !
هل يوجد من لديه حسين كحسيننا !؟


فحسيننا بكى على الأعداء .. !
بإسم الحسين الطبرات ،،
و بإسم زينب العبرات ،،

و إن شاء الرحمن تلتقي دمائهم بدماءه الطاهرة ..


ودموعهم بدموعها الطاهرة
كل واحد و دينه
كلمن قوانينه
ما قلنا للناقد
لتفكيرك نعاند
و لا قلنا شاركنا
بكل ما تمسكنا
إنت إلك مذهب
بيه تفخر و تزهل

و أنا إلي مسلك
بيه ملزم مثلك
ليش انا ما أنشد
عن نهجك و عندك
ريتك تخليني
بحزني و دمع عيني
أجري الدمع و أسفح
و الثاوي بالمصرع

حيدر حيدر حيدر

 

في كل عام و في كل محرم و في كل أول عشرة أيام من محرم الحرام ،، نرى مبايعة صاخبة في الشوارعفي البيوت في الأبدان في الوجدان ،، نرى ثورة داخلية على النفس على الهوى على التأريخ على الظلم .

فنرى هناك من يقرأ العزاء ليبكي الحضور في لحظات روحانية خالصة منبثقة من حب الحسين بن علي

( عليه السلام ) .. و كيف لا و هو الإمام المعصوم الذي غدر من أهل الظلم و الظلال ، فيبدأ بقصص تأريخية حزينة ليوقظ الإعصار النائم في العقول و الأبدان ، فيثير المشاعر و تبدأ الدموع بالإطلال من بين الجفون .. و كأنهن زوار و بعدها يبدأ القارئ بزيادة رتم الحزن في كلماته و يبدأ بالقساوة على قلوب هذه الجموع الحاشدة التي تملأ المكان و فجأة ترى بركانا من الدموع يخرج ليعزي موكب الزهراء ( عليها السلام) في كربلاء ! ، بعدها يبدأ المقرئ بتهدئة الوضع كي لا يصبح دموياً منذ اللحظة الأولى و لكن البشر الباكين يرون لذة في البكاء على الحسين ( عليه السلام ) .
 
فنرى البشر كأنهم غابة منسوجة بكل أناقة عراة الصدور حاسري الروؤس يرفعون أيديهم إلى السماء و يجعلوها تهوي على أجسادهم العارية لتسجيل موقف حزين و كأنه أياديهم تقول ( لبيك حسين ) فالروح فداه و الأجمل في تلك اللحظة إنها تبدأ حزينة بطيئة ثم تنتقل إلى اللحظة الأكثر دموية و الأكثر ثورية فالكل يبدأ بالغليان و الإشتعال و اللطم بشكل سريع ووقع أقوى و فجأة تسمع ( يا حسين ) تدوي بينهم و تزلزل الأرض التي تحملهم ..
 
ذكرياتي

الحسين ، ذكرى و جمرة

 في ذكريات محرم الحرام ، و في أيام ذكرى قتل الإمام الحسين عليه السلام .. نكون على موعد مع البكاء و الحزن فحتى السماوات العلا تتأوه حزناً على سيدنا و حتى قعر الأرض يبكي و يضج حزناً .. هي ذكرى لا يمكننا المرور بها بدون أن يكون لنا وقفة و ذكرى و لطمة و طبرة ! .

 في بداية الحياة علمني والدي إن الحسين هو سفينة النجاة و معقل الحسينون الذين يرجون النجاة من غضب الجبّار و الرحمة اللانهائية ، فنجده غفر للحر بن يزيد الرياحي ليسطر أروح ملاحم الرحمة و الحب و الإحتواء الإلهي للجميع ، سطّر الجميع أروع الثورات النفسية و العقلية و الداخلية و الخارجية ، حتى بتنا نعيش على تلك الثورة إلى يومنا هذا و نبكي تلك الثورة و هيبتها التي تجعل أي قلب ينجر إليها بكل شغف و ألم ..

 في مقتبل عمري قال لي والدي إن الحسين عِبرة و عَبرة ، فبدأت بالتفكر في تلك الكلمة فهي كلمة تخللت قلبي و ذكرتني بأني إنسان ! ، فالحسين ليس فقط إمامي و لكنه عِبرة يمكنني أن أتعض بها و في نفس الوقت هو عَبرة أسيل بها دموعي و دمائي ، لم أكن أشعر بقيمة تلك الكلمة حتى وجدت نفسي أتفهم بعض جزيئات ما جرى في ذاك الزمان الأغبر الذي قتل فيه الغراب الأسد ، و هو الزمن الذي شربت كلاب أميّة من الماء العذب و لم يشرب الطاهر المطهر و آل بيته [ أعذروني في نفس جملة إسم أمية لا يأتي ذكر مولاي ] ، حاولوا طمس ذكر الإله حاولوا قبر ذكر محمد و لكن الله يأبى ، بالحسين عاد الدين إلى خط سيره بعد أن بدلت أشباه الرجال ما بدلت ووضعت ما وضعت من تحريف و كلمات لا تليق بإسلامنا النقي ، كم مخلب غرس في جسد الإسلام و لكن الإسلام أكبر من أن يقطع ما دامه سُقي من دماء الإمام الثائر على الجور و الطغيان .

 الآن يعلمني والدي بأن الحسين هو الرحمة الإلهية و هو الكمال الرباني الذي ينشده البشر ، فلم يبخل بأي شيء من ما يمكن أن يجاد به على دين الله السويّ فهو أعطى أبنائه و أعطى عياله و أعطى أصحابه و أعطى نفسه لكي يسقى ذلك الجسد الذي مرضته تلك الزمرة الفاسدة ، حتى قالت مولاتي زينب – روحي فداها – اللهم تقبل مناّ هذا القربان .

 لا يمكن أن يتحمل إنسان عاقل ذو فطنة ربانية ذلك المنظر الذي وقف فيه الحسين – صلوات الله عليه – وحيداً بعد أن تقطعت أوصال جيشه البطل ، فبعد مقتل الحر و مقتل عابس و زهير و حبيب و برير و الأصحاب جميعاً و بطولات الأكبر و القاسم و ملحمة العباس هنا وقف الحسين – صلوات الله عليه – بين القوم حائراً لا يعرف كيف يمكنه هداية هذه القلوب التي عُميت و إكتست بالأموال و حب الدنيا ، رفع رأسه إلى السماء و هو يقول ألا من ناصر ينصرني ألا من ذاب يذب عن حرمي ألا من معين يعيني ، هنا تقطعت النساء بالبكاء و أعلنت النوح و البكاء وسام تتوسم به ، و هنا خرج العليل من الخيمة باكياً متسلحاً بيد متكئاً بيد ، هنا إرتجت الأرض هنا تأهبت الملائكة هنا كانت وقفة مع ظلم التأريخ ، أهذا الحسين بن علي من يتساءل عن من يذود عن حرمة ؟! أهذا الحسين بن فاطمة بنت محمد من ينادي القوم بهذا النداء ؟! ، كيف لم تتفطر قلوبهم ؟! كيف لم يهيج الجيش على نفسه ؟!

 و بعدها إظلمت الدنيا و أمطرت دماء بعد ما توضأت بدماء الأطهار الأنوار سادات الخلق .

 اللهم إلعن كل ظالم ظلم الحسين و أهله ..اللهم إلعن كل من تجرأ و عاند الحسين و أهله ..اللهم إلعن كل طاغ باغ رفع صوته فوق الصوت الحسين و أهله .. 

السلام على الحسين و على العباس أخ الحسين و على بطلة كربلاء زينب أخت الحسين