ذكرياتي, في العمل الرسالي

رحمة الرّب – مذكرات – ج3

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

لا تَعتَقِد أنّ جميع من في العمل الشبابي هُم واجهة الإسلام وواجهة الشباب في هذا العمل، فعلى الرغم من احتكاكهم بمجموعات شبابية كثيرة، والكثير من هذه المجموعات يكون فيها شباب مؤمنين إلا أنّ هذا الفرد قد لا يرغب بتحصين نفسه وتطوير ذاته من خلال هذا العمل، لا تُصدَم إذا ما شاهدت شخص يكون في هذا العمل ولديه أخطاء علنية، بل حاول وساعده لإصلاح هذه الأخطاء وتحويلها لإيجابيات يمكن استخراج طاقّة فعّالة منها، فالمُجتمع ككل مسؤولية كل إنسان يعتقد أنّه يمكنه تقديم النصيحة بشروطها وطرقها المشروعة.

(6)

لا أنسى تلك اللحظات الكثيرة في مؤسسة الرقيم الشبابية فالكثير منها قد يكون مجهول بالنسبة لمن هوَ خارج هذا العمل، وقد يكون بسيط هذا العمل برأي البعض، ولكنّه جبّار جداً، وقدّم للمجتمع الكثير من الشباب المميزين، وتمكن القادة في المؤسسة من تحويل هذه الطاقات لمصلحة الجميع وعدم احتكارها في قسم معين وطريق مُخصص، فلازلت أذكر معارك هاني الشريف وعبدالله زكريا ضد الرائع د.ياسر الرمضان عندما كنّا في طريقنا للعب كرة القدم (على وجه الخصوص) وكانت هذه المعارك تخص الصوتيات وكيف كان البعض يؤيّد الاستماع إلى الرادود باسم الكربلائي والبعض يؤيّد أن نستمع إلى الرادود صالح الدرازي وهذه كانت بعض الحروب الصغيرة وغالباً ما كان ينتصر أنصار اللطم الكربلائي، ولكن الحريّة دوماً وأبداً كانت متوفرة ولا تجد من يحاربك لأنّك تستمع إلى رادود معيّن، والأجمل من هذا كلّه أنّه كانت الكثير من الليالي كنت أذهب إلى الحُسينية الكربلائية برفقة الشاب عبدالله الخضاري وبرفقتنا كلٌّ من يوسف حبيب ابن خالتي– وعلي حبيب ابن خالتي– وعلي خليل ابن خالتي– وكنّا نلتقي بأصدقائنا الذين حضروا برفقة الشيخ حسن البلوشي وكانوا هُم المجموعة القريبة لي وكنت أتمنّى لقاءهم في جميع الأوقات، إلا أنّ تقسيم الهيئات كان يحول دون ذلك قبل الالتحاق بهيئة حسن البلوشي، ولازلت أذكر قصيدة (شفت بالنار خيمة مستعرة وذكرت الدار وفاطمة الزهرا) في تلك الأجواء الروحانية والجميلة وليالي محرّم العظيمة.

نعم هناك حروب داخلية، فقد كانت هناك رغبات بكسب أكبر عدد من الأصدقاء، وكان كلّ شخص لديه اهتمام بمجموعة معيّنة، فكنت أشاهد أحدهم يهتم بمجموعة من (الخربانين) وآخر يهتم (بالمميزين) والجميع يحاول أن يؤدي ما يرضي ضميره ولو بشكل بسيط.

قبل أن أنهي هذه اللحظات أذكر أنني في مرّة من المرات حضرت (محفل قرآن) كان يقام في مبارك الكبير في أيّام شهر رمضان المبارك، وكنت أشعر بالملل الشديد، وللأسف لا تسعفني ذاكرتي لتذكر اسم الأستاذ الرائع الذي كان يدير المحفل، ولكنّه وجّه سؤال غريب بعض الشيء لي بعدما أنهيت قراءتي، وقال لي: “لماذا أنت هنا؟” ولازلت أذكر ذلك الجواب “لأني أبي الوقت يمشي!” وساد الصمت بعدها في القاعة واستكمل هوَ القراءة!، حقيقة قد أكون اكتشفت في تلك اللحظة أنّي صريحٌ بعض الشيء!، ولم أكن أرغب بأن أكون فظاً مملاً، ولكنّ الجواب كان قاسياً بعض الشيء، إلا أنّ هذا الأستاذ تعامل مع الموقف بكل هدوء وابتسامة بسيطة أعادتني إلى رشدي، ومنذ تلك اللحظة وأنا أحاول أن أكون جاداً في المواقف التي تتطلّب الجديّة.

محاولاتي الأولى في الكتابة الجادّة بعيداً عن القصص والروايات وقد تكون هي ما قبل القصص فأنا فعلياً لا أتذكر هذا الأمر بشكل جيّد ولكن الكتابة عن مؤسسة الرقيم ساعدني على تذكّر بعض الأمور، فالمؤسسة كانت تمتلك مجلة شهرية تصدر كل شهر، وكانت بلون واحد فكنّا في كلّ مرّة نختار اللون فتارة نجدها زرقاء وتارة نجدها حمراء أو سوداء وهكذا، وكانت تحمل اسم مجلة الذكر وكانت توزّع في المساجد والحُسينيات وهي نشاط أحبّه كثيراً، قد يكون نشاطاً مُكلفاً إلا أنّه مميّز جداً ويعطي دفعة قويّة لأي شاب في الساحة، وكانت المقالة الأولى ملطوش نصفها من مجلة العربي أحبها كثيراً– ونصف آخر محاولة للكتابة، والمفاجأة وعلى الرغم من علم الشباب القائمين على المجلّة بأن الموضوع نصفه مسروق! إلا أنّهم عرضوه وخط اسمي تحته! كان الأمر مُخجلاً كثيراً، فعاهدت نفسي على المُحاولة، وكانت التجربة الثانية مع الكتابة عن هدّاف كأس العالم 1998 هاكان سوكور الكرواتي، وجمّعت بعض المعلومات وقمت بالربط وأرسلتها للصفحة الرياضية وعُرِضَت لي هذه المقالة، وكانت الانطلاقة نحو البحث المُجد حول المعلومات الصحيحة الموجودة، الأمر المؤسف هوَ أنني كنت أمتلك بعض النسخ من المجلة إلا أنني الآن لا أجد هذه النسخ، إذا ما وجدتها سأضعها لكم.

(7)

المُخيم الأخير هوَ أكثر المخيّمات –في مؤسسة الرقيم– قرباً لي، قد يكون هذا الأمر بسبب أنّه الأخير، وأحداثه الأخيرة تركت فيّ شيء لم تتمكن الأزمان من محوها، في هذا المُخيم كُنت قد عُيّنت كـ كادر مخيّم الشبيبة وهذا الأمر كان خطيراً وجديداً بالنسبة لي، فأن تكون كادراً يعني أن تكون مسئول وهذا أمر كبير بالنسبة لي، فمنذ اللحظة الأولى شعرت بالخطر وثقل هذه المسؤولية، وقد يكون الحدث الأهم هوَ أنني عاندت وكما نقول في الكويت (ركَبْتْ رَاسي) وقد قمت برفع صوتي والصراخ على المسئول عن الشبيبة في ذلك الوقت عبدالله خضاري واتّخذ قراراً بإرجاعي إلى المنزل بعد كل هذا الشغب الذي كنت قد قمت بقيادته وكان هناك سيلاً من كلمات التوبيخ والقريبة جداً من الشتم! وكيف أنّه ترك الحبال جميعاً وأنا قمت بتدمير هذا الصرح الجميل! وكنّا في منتصف الطريق وإذا باتصال يأتيه عبر هاتفه الذي كان في ذلك الوقت – نوكيا تايغر – طبعاً أذكر هذه التفاصيل لأنني كنت أبكي في السيارة! رغبة بالعودة إلى أسوار المُخيّم، وهذا الاتصال العظيم الجميل أعادني إلى أرض المخيّم وكان العم بوعلي جمال البلوشي هوَ الطرف الثاني في المكالمة، وكان هوَ إن لم أكن مخطئاً القائد العام وقراره يلغي جميع القرارات، وكان طريق العودة صامتاً، بسيّارته الباجيرو – معلومة مباغته أتركها هنا لكم، أخطر حادث حصل لي في حياتي كان بهذه السيّارة في ليلة السابع من المحرّم وقد يكون هناك مجال آخر أذكر لكم فيها التفاصيل – العودة بالنسبة لي كانت مفاجئة فما فعلته يُعد لدى البعض خرقاً لجميع القوانين (الاحترام، الاحتراف، التعاون، .. ) إلا أنّ المفاجئ هوَ أنّه فور ما دخلت السيّارة إلى داخل السور [ نعم لقد كان المُخيّم هذا في إحدى المزارع وكنّا –الشبيبة- ننام في شاليهات مُقسّمة، والكبار كانوا ينامون في خيمة كبيرة ] حصلت مفاجأة كبيرة لي، وهي أنّ الشبيبة كلّهم بانتظاري ويهتفون بهتافات تُطالب بعودتي واستقبلني العم الكبير بوعلي بالأحضان، وقام الشبيبة بحمل أغراضي وأخذها لمكان نومي ومنهم موسى البلوشي ومحمّد سامي وغيرهم ممن ذكرت أسمائهم في التدوينات السابقة، حقيقة كانت بالنسبة لي صدمة، فهل أنا أمتلك جماهيرية بهذا الشكل هنا؟! وبعدها بدأ الأوضاع تتحسّن كثيراً فهذه العودة شكّلت قوّة لي، فأصبحت بطلاً جماهيرياً، فكان البعض يستمع إليّ ولم يكن يستمع للقائد العام!، وهذا شكّل صدعاً كبيراً بيني وبينه.

في ليلة من ليالي المُخيم ضاع أحد الشباب وكان شبة مجنون ولكنّه فعلياً ضاع!، فهو غير موجود داخل السور!، وأذكر أنّي أثرت الهلع في أرجاء المُخيم وبدأ الكل بالركض بحثاً عن هذا الشاب، ووجده محمّد النجّار قرب الأشجار – إن لم أكن مخطئاً – وكان هذا الأمر مليئاً بالعواطف، فالكل كان خارجاً للبحث عن هذا الشاب فهو صديق الجميع، ولا يحب أحد أن يضيع هذا الولد.

(8)

النهاية كانت مؤلمة جداً، فقبل العودة من المخيّم وكالعادة كان آخر يومٍ بالنسبة لي مليئ بالبكاء والدموع – لم أكن أعلم بأنّها المرّة الأخيرة التي سألتقي بها بهؤلاء الشباب – وقد تعيدني هذه المدونة إلى بعضهم فحقيقة أفرح كثيراً عندما أسمع من (ابن خالتي) بعض المعلومات حول تلك الأيّام، فعبر هذه الطريقة كنت أعلم بأنّه تفاعل فعلياً مع ما كُتب هنا، وقد أصل إلى الكثير منهم عبر هذه التدوينات فما أنا إلا باحث، ولكن كل ما أعرفه أنّني إلى هذا اليوم أحترق ألماً بعد هذا الفراق الذي حصل.

الفترة الأخيرة كانت فترة الاحتضار، فكان أحد القادة وأترفّع عن ذكر اسمه يطالبنا بعدم الذهاب إلى مجالس اللطم والبكاء على الحُسين (عليه السلام) لأنّها مجرّد طقوس من وجهة نظره ولا تزيد فينا شيء، وهي مجرّد عواطف لا ثقافة فيها!، وفي مرّة من المرّات أصر على عدم ممارسة شعيرة التطبير واللطم فكان منّا أن علّقنا نشاطنا بشكل جماعي في هذه المؤسسة وتوقّفت بعدها الحياة في هذه المؤسسة، فلم يكن الشباب وعلى الرغم من صغر سنّهم سُذّج إلى هذه الدرجة، فهذا الإنسان له مواقف كثيرة لم تكن (مضبوطة) وبدأ بعض الشباب بتأييده، ولكي لا نشارك في هذا الأمر قررنا في آخر اجتماع الخروج من الاجتماع بشكل جماعي وعلني لكي نوقف هذه المهزلة التي كادت تكون أكبر مما كانت.

(9)

أترككم الآن مع مجموعة من الصور التي وجدتها في خزانتي وكانت من سفرة إيران عام 1998م، ويظهر فيها العديد من الشباب.

 

(10)

أترك هذه الكلمات للتاريخ، حقاً أنا أشتاق هذه الأيام وعلى وجه الخصوص أيّام مؤسسة الرقيم الشبابية وأيّام العلاقات المُعقّدة وإن كان بعضها جاء مُحملاً بسوء، إلا أنّها صقلتني وتركت فيّ ما تركت، وأكون كاذباً إن لم أكتب لكم أنّي بكيت كثيراً بعد نهاية هذه الفترة. فهي الفترة الأهم في حياة كل شاب، وهي الفترة التي أضافت لي الكثير، واكتسبت فيها صداقات من ذهب. شكراً لمؤسسة الرقيم على كلّ شيء.

ذكرياتي, في العمل الرسالي

رحمة الرّب – مذكرات 2

 

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم

أكمل معكم سلسلة “مذكراتي في العمل الشبابي” وهذا الجزء أتأخر فيه لأنني حضرت إلى حفل زفافي وكنت مشغولاً بترتيبات، شكراً لكل من حضر وشكراً لكل من اتصل واعتذر، وموفقين جميعاً في حياتكم.

العمل الشبابي، ليس قلعة حصينة أو مدينة فاضلة، بل في ساحات المشكلات التي تحصل في المجتمع المحيط به، وتمزّقه في كثير من الأحيان، وتكون رؤيته في بعض الأحيان قاصرة فيستعين بالخبرات الخارجية، وهذا لا يعيبه، لكنّ هذا العمل يفتخر أقلّةً بالمُحاولة للإصلاح، حتّى وإن اختلف معه البقية، فلا يوجد تجمّع أو مجموعة لا يكون فيها سلبيات وأخطاء، ولكن لنحاول النظر إلى الجانب الإيجابي المُميّز في كل من المؤسسات والمراكز والتجمعات والمجموعات الشبابية في الكويت، هل هي حقاً بعيدة كل البعد عن المُحاولة؟!، أنا أراها مميّزة في المحاولة، وأتمنّى لهم الاستمرار.

[3]

يُمكنني أن أقول بأنّ مرحلة ما بعد الإنتخابات العامّة في مؤسسة الرقيم كانت المرحلة الأهم بعد مرحلة التأسيس البسيطة التي خضتها في حياتي، على الرغم من المشاكل التي صاحبت الإنتخابات آنذاك، ومن المشكلات التي أحاطت بالإنتخابات هي نسيان البعض المبلغ المالي المُخصص للتسجيل والتصويت، وكانت هذه المبالغ التي تدفع تصرف على الأنشطة عموماً كالهيئات والأنشطة الثقافية التوعوية والرياضية وغيرها، أذكر المبلغ كان للكبار 20 ديناراً وللصغار 10 دنانير إن لم أكن مخطئاً، وحصلت بعض المشادّات وانقسم الشباب إلى فرق صغيرة، وفعلاً هذه المجاميع الصغيرة قادت الإنتخابات بجدارة، وبعد هذا العرس الديموقراطي كما يسمّونه، كانت المرحلة الإدارية الأولى التي أخوضها في غمار هذا العمل.

في أولى الإجتماعات كنت مُشاهداً ومُستمعاً جيّداً، كنت أحاول الحصول على أكبر قدر من المعلومات والخبرات المُتاحة أمامي، ففي مجلس الإدارة كان هناك العديد من العقول وكانوا د.سلمان الخضاري ود.عبدالعزيز أشكناني وطالب الشريف وبوعلي جمال وفاخر السلطان ود.ياسر رمضان ومحمد صرخوه وعبدالله الخضاري والفريق المُنتخب الذي ذكرته في التدوينة السابقة، وحقيقة على الرغم من الإختلاف الكبير الذي اكتشفته بعد سنتين من العمل مع هذه المجموعة إلا أنني استفدت كثيراً، الحوارات غالباً ما كانت راقية، وفي بعض الأحيان كنت أشاهد الأعضاء يتقاتلون من أجل قرار، وبعد أن كبرت وعرفت أسرار وخبايا العمل عرفت أنّ هذه القرارات كانت مصيرية في الكثير من الأحيان!.

النصيحة التي غيّرت أسلوبي في الإدارة كانت كلمة عابرة أطلقها الشيخ حسن البلوشي دون أن يعلم!، كانت هيَ الطريق لي في معارضة الأفكار التي لا توافق فطرتي وأفكاري التي اكتسبتها مسبقاً وكوّنتها –التي كثيراً ما توقعني في مشاكل!- المُهم هي الكلمة التي كانت “سمعت إنكم ما تعارضون كلّه موافقين، شدعوة شنو ما عندكم رأي؟ ولا بس دشيتوا الإدارة علشان إسمها إدارة؟” حقيقة هذا السؤال يدعو للتفكير، فللأسف الكثير من الشباب في العمل الشبابي منذ أيّام مؤسسة الرقيم كانوا مُجرّد تكملة عدد وهُم حشد جماهيري فقط، أمّا في الحوار والنقاش وطرح الرأي فهُم لا يتجرؤون على شيء، وقد تكون هذه الأسباب راجعة لمن ركّز فكرة السمع والطاعة فقط! وعدم طرح الآراء والتفتّح.

[4]

في تلك الفترة كانت الرحلات قويّة جداً، وكانت الهيئات الفعلية تقام في السيّارات لا في الديوانيات والمراكز، بل كلّ الهيئة تتمحور حول (الإنسان) الذي يدير هذه الهيئة بطريقته!، فكنّا نلاحظ تطوّر البعض وهبوط مستوى البعض بعد أن كان مؤملاً له أن تنفجر مواهبه خلال سنة!، نعم كانت الفكرة الأساسية هي اكتشاف مواهب الشباب وتطويرها عبر البرامج، فعلى سبيل المثال إنّ أوّل مكان حاولت إلقاء كلمة فيه هي هيئة مبارك الكبير ولا أذكر ما هي الكلمة الآن، ولكنّها كانت مليئة بالإرتباك والخوف وكانت مدتها خمسة دقائق فقط!، وبعدها بدأ الشباب بتطويري وكان يدير هذه الهيئة الشيخ حسن البلوشي، لنعود معكم أيّها القرّاء إلى رحلة من الرحلات كانت إلى مرزعة جميلة جداً في منطقة الفنطاس، وكان أمامها ملعباً لكرة القدم، وفي داخلها شاليه مقسّم لغرف متعددة للنوم، وملعب طائرة في وسط المزرعة، وفي هذه الرحلة كان النشاط الرياضي عبارة عن بطولة كرة قدم، وفي ذلك اللعب دخلت حرباً لم تكن بالحسبان فأذكر أني [حذفت] صديقي وحبيبي محمد سامي بشيء لا أحب ذكره لكم هنا، وكادت أن تقح مقتلة عظيمة بين أحبابي آل البلوشي وبيني، حقاً إنها أيّام لا يمكنني نسيانها، وللعلم خسرت في البطولة في المباراة النهائية من فريق صديقي محمّد، وفي الليل تصالحنا بفضل العقلاء في ذلك اليوم، وإلى هذه اللحظة هذا الولد من أصدقائي الذين أكنْ لهم كامل الحب والتقدير.

في تلك الرحلة كانت هناك محاضرات دينية وتربوية، وسأخبركم بحقيقة قد لا ترغبون بسماعها جميعاً، العاملين في العمل الشبابي والهاربين منه والذين يودعون أبناءهم في هذا العمل، هل تعلمون بأنني وبقية الأصدقاء كثيراً ما كنّا نشعر بالملل ونحاول الهروب وخلق أجواء للضحك واللعب في وسط المحاضرة وكنّا نحاول جعل المحاضر يقف عند حدّه ولا يكمل المحاضرة، نعم هذه حقيقة وإلى لحظة هذه الكتابة أرى نفس نوعيتي في التعاطي مع المحاضرات في أيّ مجال!، كنت أرمي بعض الأوراق على بعض الأصدقاء وكنت أغمز بعيني لبعضهم لإصدار بعض الأصوات والصفير، نعم كنّا مشاغبين، بل كنّا مجانين!، كنّا نتعارك في الصباح ونبكي لفراق بعضنا البعض ليلاً، الهواتف لم تكن متواجدة بكثرة، فرؤية الأصدقاء كانت تحمل لذّة لا مثيل لها، ولكن هذه المحاضرات التي أخبركم عنها كان من يقدّمها لنا مميّزاً جداً لدرجة أنّه كان يتمكن من السيطرة علينا وإبقائنا تحت وقع كلماته، وغالباً ما تكون المواضيع في البداية تتعلّق حول أصول الدين الخمسة: التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، الميعاد، وبعض الأمور الإجتماعية التي تخص حياتنا في المجتمع بشكل عام، الإستفادة الكُبرى كانت في بدايات المرحلة المتوسطة إلى نهايتها، فلم تكن هناك معوقات وتعقيدات فكرية تعوق العقل عن التطوّر السريع.

نعم هناك أخطاء كثيرة كانت تحصل ولكن سرعان ما كنّا نكتشف هذه الأخطاء بسبب جماعيتنا، وروعة الروح التي أوجدها القادة، حتّى وإن كان هناك تنافس شديد، إلا أنّ هذا التنافس وإن خرج في بعض المرات عن أخلاقيات العمل الشبابي الإسلامي، إلا أنّه سرعان ما يعود إلى الطريق السليم، ويقود دفّة العمل إلى التطوّر والتوسع والمحاولة.

[5]

المُخيّم الأوّل بعد الدخول إلى الإدارة، أذكر منه الكثير من الأسماء وقد أغفل عن ذكر بعضهم لنسياني فعذراً يا أصدقاء، ولكن المعلومة الجميلة هي أننا كنّا في فئة الشبيبة وكان عددنا كبيراً فكان الشباب يسمّونا الديدان، وكنّا نطلق عليهم لقباً لا أحب ذكره هنا، المُهم في هذا المخيم كنتُ محط أنظار الجميع، فقد كنت مميّزاً بحضوري اليومي وصراخي ولعبي، في هذا المخيّم تعرّفت على الشباب عموماً وبشكل مجنون ففي هذا المكان تعّرفت فعلياً على عبدالله زكريا وهاني الشريف ويوسف الشريف ومحمد الشريف – أذكر أنّه عوقب في أحد المخيمات بعد بدئه الهجوم على مخيّم الشباب الذي كان يديره أخيه طالب الشريف-، وكانت لدينا مجموعة كنّا نسميهم القرعان وهذه المجموعة كانت مميّزة جداً فهُم كانوا يقومون بعمل حركة جماعية في كل عام، فعلى سبيل المثال أوّل سنة حضروا كانوا جميعاً (حليقي الرؤوس) وفي السنة الثانية كانوا جميعاً يرتدون ذلك –السروال المقلّم- وكان منظرهم مُضحكاً، للأسف لا أذكر أسماءهم أبداً!، وفي سنة من السنوات كان هناك شخص سميناه نوّاف الحمش وكان هناك مقلب كبير شارك في الجميع ضد هذه المجموعة المتمردة، فقد كان نوّاف يدعي المرض والإنفصال عن شخصية للحظات، وفي أحد اللحظات جعل هذه المجموعة كلّها تنشد السلام الوطني بصوت عالي، وكانوا يقومون بالإنشاد بطريقة جماعية وكأنهم في مدرسة. وأيضاً قام نوّاف باللحاق بـ محمد عاشور من المخيم إلى مكان قريب من خط المطلاع! وكأنه سباق!، على ذكر محمّد لازلت أتذكر اللحظة التي كان فيها قائداً للجنة البقالة، وكعادة العالم في الليل ينامون، وفي الصباح ينهضون لأداء المهام الموكلة إليهم، المفاجأة التي كانت هي هرب خيمة محمّد إلى مكان مجهول وكان نائماً ولا يشعر بشيء، سوى أنّه شاهد نفسه في العراء!، ولا أنسى معاقبة حمد العيدان مع عبدالله زكريا زحفاً في المخيم بلا ملابس تحمي صدورهم، وأذكر أنّ أحدهم ربط بسارية العلم وكان الماء صديق جسمه، وكيف كان عقيل يحاول الهرب من المحاضرات عبر جلوسه [أعزّكم الله وأعزّه] في الحمام!، ولازلت أذكر علي باقر ومحمد باقر وكيف كانوا يقومون بمهام خطرة وكبيرة، وكثيراً ما كنت هناك نقاشات جميلة في المخيم.

 أذكر أننا في آخر يوم في المخيم كنّا ننتظر المفاجآت من القادة ففي سنة من السنوات شاهدنا فيلماً بشاشة عملاقة جداً ومكبّرات صوتية جميلة تحيط بالمخيّم وأخذنا (سليباقاتنا ) إلى الصحراء والرمال لنكون مستلقين على ظهرنا لنشاهد الفيلم باستمتاع!، – نعم شاهدنا فيلماً هناك! – وأذكر أنّ الشاب محمد النجّار هو الذي كان بجانبي وفي بعض لحظات الملل كنّا نخرج عن الأجواء ونبدأ  بالحديث عن أمور حصلت في المخيّم، نعم إنّ آخر يوم كان دائماً بالنسبة لي هوَ يوم البكاء على رحيل تلك الأيّام العظيمة التي عشتها، فلم أكن ولازلت لا أحب لحظات الفراق، على الرغم من التكنولوجيا الحديثة التي ساعدتنا كثيراً على التقارب الإلكتروني إلا أنّ الأرواح ولقاء الأعين له طعم آخر.

أمّا أحد أكثر المخيمات التي علقت بذهني في فترة مؤسسة الرقيم فهوَ المخيّم الأخير الذي توقّفت بعده الحياة!، فلم نكن ننام في خيمة!، بل كنّا ننام في شاليهات! ولا أذكر السبب الذي قادنا لهذا الحل، وكان الكبار ينامون في خيمة عملاقة، وكانت هناك أحداث كثيرة منها أنني بكيت فرحاً وحزناً .. ! وضاع أحدهم منّا في هذا المخيم!.

البقية تتبع ..
يوم الخميس القادم إن شاء الله ..

ذكرياتي, في العمل الرسالي

رحمة الرّب – مذكرات

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم

منذ عام 1997م وأنا منخرط في العمل الشبابي في الكويت، وقد أكون مجحفاً إذا لم أتحدث حول هذه التجربة بشيء من الإسهاب فهي تجربة غنية بالخبرات والتجارب المتنوعة وعلى كافة الأصعدة، وهذه التجربة كوّنت شيء من حسين المتروك الحالي، ولا يمكنني التنصل من هذه الحياة التي عشتها. 

لا تبحثوا كثيراً عن الجودة في العمل الشبابي فهو عمل وللأسف يقتصر على مجموعات شبابية خبراتها قليلة وهذه المجموعات فعلا تحاول الإجتهاد في لحظات تعتبر الأهم في حياتها كمجموعة، ولا يوجد في هذا العمل شخص كامل بل هناك من يحاول الوصول إلى الكمال الإنساني، والأخطاء كثيرة وفي بعض الأحيان تكون جسيمة وخطيرة، ولكن من لا يخطئ في هذا المجتمع؟.

[۱]

لازلت أذكر جنون عام 1998م عندما سافرت مع المجموعة الشبابية التي كانت تسمى (مؤسسة الرقيم) إلى (إيران) ولم أكن أعرف الكثير من الشباب في هذه الرحلة، كانت سنين عمري لا تتجاوز الـ ۱۲ عام، إلا أن والدي آمن بهذا العمل الشبابي الذي يضيف شيئاً لأي طفل كان، ذكريات هذه الرحلة كثيرة جداً، ففي هذه الرحلة كان لقائي الثاني بالمرجع الراحل سماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي قدّس سره، بعد لقائي الأوّل به مع الوالد قبلها بعام واحد إن لم تخنّي ذاكرتي، وفي تلك الرحلة أخبرنا بضروررة وجود مكتبة منزلية يتسفيد منها جميع أطراف العائلة، وعلينا أن نخلق الأجواء لكي يقرأ الطفل بعض الكتب الموجهة له، وأعتقد أنّ هذه الكلمات هي أحد أسباب قراءاتي للكتب إلى الآن وبشغف، ومنذ تلك اللحظة وأنا أعرف بأن القراءة هي أحد أسرار الحكمة!، في تلك الرحلة تعرّفت على بعض أطباع الشباب بشكل مقرّب، فعلى الرغم من صغر سنّي إلا أنّي كنت محظوظاً، فقد كان الشباب كبار السن والقيادات – إن جاز لي تسميتهم بالقيادات – يقرّبوني ويسدون لي النصائح باستمرار، وأحياناً كان هذا الإلحاح من قبلهم مملاً بالنسبة لي، ولكنّني الآن أعي بأنّ هذا الإلحاح هوَ من صقل شخصيتي.

أذكر أننا كنّا في بعض أيّام الرحلة في منطقة شمال طهران – الجميلة – والتي تسكنها الثلوج، ولكنْ في تلك الأيّام كانت دافئة بعض الشيء، ولعبنا [كرة القدم] على أرضية من الـ (قار) وهذا كان مؤلم بعض الشيء، ولازلت أذكر صديقي (عبدالله زكريا) في تلك الرحلة، فقد كان فاكهة الضحك والإبتسامة، وهو لعب بمركز (حارس المرمى) وتمكن من صد الكثير من الكرات ولكنّ ركبتاه قد اكتست بالدم، وفي تلك الأيّام أيضاً أذكر أن أحد الشباب كسر باب شاليه من الشاليهات التي كنّا قد استأجرناها هناك!، وذلك لأنّه انحبس في [ الحمام، أكرمكم الله ] وأذكر بالضبط كيف كسر الباب، هل تصدقون بأن هذا الشاب استخدم ركبته! للأسف لا أذكر اسمه!.

بعدها بدأت فعلياً بالإنخراط في البرامج والهيئات [ برنامج أسبوعي يجمع الشباب ] والرحلات المميزة التي تكثّفت فيها البرامج مع اللعب، وكانت هذه الطريقة مفيدة لجيلنا الذي كان يحب اللعب كثيراً، الآن اكتشفت بأن زمن اذهب للدرس في منطقة مليئة بالمغريات والألعاب لشاب طبيعي أمر صعب جداً، فيجب أن نوفّر جميع وسائل المرح والمتعة لهؤلاء الشباب فبالنهاية هُم بشر ولديهم رغباتهم الخاصّة في اللعب، وأذكر الكثير من الهيئات التي حضرتها كان يديرها الأستاذ – وقتها – والشيخ – حالياً – حسن البلوشي، منذ ذلك اليوم هُو مميّز في الإلقاء والتحضير كثيراً، فلديه العديد من الأفكار التي بإمكانها إضافة شيء جديد لديك، وكان برفقته الشاب – محمد صرخوه – الذي هُو الآن أحد مدراء مطعم البطريق – إن لم أكن مخطئاً – وكانت هناك هيئة أخرى يديرها الشاب عبدالله الخضاري وبعض الشباب الذين لا أذكر أسمائهم، ومنذ تلك اللحظة كانت الحرب الطاحنة التي تدور بين الشباب في كسب أكبر عدد من الشباب وأكثرهم تميّزاً، فكنّا نشاهد الكثير من المشاحنا ما بينهم دون أن نتدخل، وكان هناك شاب مميّز جداً، وهو ياسر رمضان الآن هوَ دكتور يعمل في مستشفى العدان، كنّا نلتقي جميعاً في رحلات أسبوعية إلى منقطة الوفرة ولعب الكرة منذ الصباح الباكر في يوم الجمعة في مزرعة كمال وكانت الرحلات بقيادة هاني الشريف وعبدالله زكريا وعبدالله الخضاري وياسر رمضان وحسن البلوشي، كانت الرحلات هذه مفيدة جداً ففي الـ Micro Bus كنّا نقوم بحوارات عديدة وكان البعض مميّزاً بقدرته على جعلي أغضب كثيراً وأخص هنا الشيخ حسن البلوشي.

[2]

في هذه المؤسسة الرقيم تعرّفت على عدد كبير من الأصدقاء المخلصين الذي تربطني بهم علاقة كبيرة وعميقة إلى اليوم، فمنهم من تمكنت من الإستمرار معه، ومنهم من أكتفي بالسلام عليه بين الحين والآخر، ومنهم من اختفى، فلازلت أذكر أيّام المخيمات الجميلة التي فعلاً كانت تقوّي العلاقات مع الأصدقاء، وسأخبركم ببعض ما جرى في المخيّمات في تلك المؤسسة.

أوّل مخيم حضرته كنت صغيراً جداً، ولم أكن مميّزاً سوى بخوفي من الليل ومن الطنطل، وأذكر أحدهم كان يسمّى ناجي ولا أذكر بقيّة اسمه، هذا الإنسان كان يحب أن يروي قصصاً مرعبة جداً، عن الطنطل على وجه الخصوص، وفي ليلة من الليالي لم أكن أرغب بالنوم وكنت أبكي ليلاً خوفاً من هذا الطنطل! ولكن الشيخ حسن البلوشي وياسر رمضان يومها حاولوا التخفيف من خوفي عبر قراءة القرآن الذي اكتشفت في تلك اللحظة بأنّه فعلاً مميّز وجميل ويهدئ النفوس، ويبعد الخوف والرعب والهموم، ولم أكن أعرف الكثير من الشباب في تلك الأيّام سوى أبناء خالتي، كان قائد هذا المخيّم إنسان أعرف عنه قوّة العزيمة والصبر والكفاح وهوَ سيد صالح الحسن وفي تلك الأيّام لم أكن أعرفه بشكل خاص ولكن كان له تأثير كبير كالسحر، فشخصيته المميزة جعلت منه بطلاً قومياً لفئة الشبيبة، نعم كنت في يوم من الأيام في مخيّمات الشبيبة، وكان عددنا كبيراً جداً، وفي اليوم الأخير من المخيّم كانت لعبة بوقة العلم ولكنّها كانت مليئة بالضرب والخطف والإحتجاز! – نعم إنّها اللعبة الأكثر جمالاً – كل هذا لكي نسرق العلم وأذكر أننا أسرنا بعض الكبار بطريقة مبتكرة فقد كنّا نجعلهم يدخلون في دائرتنا ويبدأ قادتنا بأسرهم، وفي الختام كنت لأوّل مرّة أكرّم علناً أمام الملأ لأنني كتبت مقالة بسيطة.

بعدها كانت الرحلة ومن ثُم العودة، والتغلغل في العمل كما أسلفت لكم، وكان المخيم الثاني مميّزاً ففي هذا المخيّم كانت أوّل تجربة قيادية على مستوى صغير، فقد كنت أقود مجموعة أهلي وأصدقائي، كان عددنا كبيراً جداً، في هذا المخيّم خسرنا أوّل مباراة في الدوري بنتيجة 6-1 وبكيت كثيراً لأننا خسرنا – نعم إنّها دموع الألم لحظة الخسارة – في هذا المخيّم تعرّفت على العديد من الشباب منهم ميثم دشتي وتمكنت من تطوير علاقتي مع أخي حسين البلوشي وأيضاً بدأت بتكوين علاقات وروابط مع العديد من الشباب منهم آل مقصيد – محمّد وحسين وعلي – ومحمد باش وآل النجّار – إن لم أكن مخطئاً محمد وعبدالعزيز – وإنسان مميّز جداً كان لا يحب أن يراني أبكي اسمه محمد البلوشي لا أعرف الكثير عنه ولكنّي أذكر هذه الميزة فيه، في هذا المخيم اكتشف الشباب بأني أخاف من السحالي وأركض بشكل سريع جداً، لدرجة أنّي في مرّة المرات اصطدمت بالحبال التي تدور حول المخيّم وجرحت جفوني!.

بعد تلك المرحلة كانت مرحلة دخولي في مجلس الإدارة!، نعم أوّل دخول لي في مجلس إدارة عمل شبابي كانت في مؤسسة الرقيم الشبابية وذلك عبر الإنتخابات التي كانت تجري بين الشباب وحضور الهيئات وذلك لاختيار مجموعة تقود هذه المجموعة إلى تطوّر، وكان الأمر مميّزاً فهذه المجموعة التي تمّ اختيارها كانت تقرر بشكل جميل، ونجحت يومها بمعيّة محمد مقصيد ويوسف حبيب، فقد كان الصغار فقط ثلاثة أمّا الكبار فكانت بينهم انتخابات حرّة أيضاً ولا أذكر من نجح في ذلك اليوم.

البقية تتبع ..
يوم الخميس القادم بإذن الله ..