بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
لا تَعتَقِد أنّ جميع من في العمل الشبابي هُم واجهة الإسلام وواجهة الشباب في هذا العمل، فعلى الرغم من احتكاكهم بمجموعات شبابية كثيرة، والكثير من هذه المجموعات يكون فيها شباب مؤمنين إلا أنّ هذا الفرد قد لا يرغب بتحصين نفسه وتطوير ذاته من خلال هذا العمل، لا تُصدَم إذا ما شاهدت شخص يكون في هذا العمل ولديه أخطاء علنية، بل حاول وساعده لإصلاح هذه الأخطاء وتحويلها لإيجابيات يمكن استخراج طاقّة فعّالة منها، فالمُجتمع ككل مسؤولية كل إنسان يعتقد أنّه يمكنه تقديم النصيحة بشروطها وطرقها المشروعة.
(6)
لا أنسى تلك اللحظات الكثيرة في مؤسسة الرقيم الشبابية فالكثير منها قد يكون مجهول بالنسبة لمن هوَ خارج هذا العمل، وقد يكون بسيط هذا العمل برأي البعض، ولكنّه جبّار جداً، وقدّم للمجتمع الكثير من الشباب المميزين، وتمكن القادة في المؤسسة من تحويل هذه الطاقات لمصلحة الجميع وعدم احتكارها في قسم معين وطريق مُخصص، فلازلت أذكر معارك هاني الشريف وعبدالله زكريا ضد الرائع د.ياسر الرمضان عندما كنّا في طريقنا للعب كرة القدم (على وجه الخصوص) وكانت هذه المعارك تخص الصوتيات وكيف كان البعض يؤيّد الاستماع إلى الرادود باسم الكربلائي والبعض يؤيّد أن نستمع إلى الرادود صالح الدرازي وهذه كانت بعض الحروب الصغيرة وغالباً ما كان ينتصر أنصار اللطم الكربلائي، ولكن الحريّة دوماً وأبداً كانت متوفرة ولا تجد من يحاربك لأنّك تستمع إلى رادود معيّن، والأجمل من هذا كلّه أنّه كانت الكثير من الليالي كنت أذهب إلى الحُسينية الكربلائية برفقة الشاب عبدالله الخضاري وبرفقتنا كلٌّ من يوسف حبيب –ابن خالتي– وعلي حبيب –ابن خالتي– وعلي خليل –ابن خالتي– وكنّا نلتقي بأصدقائنا الذين حضروا برفقة الشيخ حسن البلوشي وكانوا هُم المجموعة القريبة لي وكنت أتمنّى لقاءهم في جميع الأوقات، إلا أنّ تقسيم الهيئات كان يحول دون ذلك قبل الالتحاق بهيئة حسن البلوشي، ولازلت أذكر قصيدة (شفت بالنار خيمة مستعرة وذكرت الدار وفاطمة الزهرا) في تلك الأجواء الروحانية والجميلة وليالي محرّم العظيمة.
نعم هناك حروب داخلية، فقد كانت هناك رغبات بكسب أكبر عدد من الأصدقاء، وكان كلّ شخص لديه اهتمام بمجموعة معيّنة، فكنت أشاهد أحدهم يهتم بمجموعة من (الخربانين) وآخر يهتم (بالمميزين) والجميع يحاول أن يؤدي ما يرضي ضميره ولو بشكل بسيط.
قبل أن أنهي هذه اللحظات أذكر أنني في مرّة من المرات حضرت (محفل قرآن) كان يقام في مبارك الكبير في أيّام شهر رمضان المبارك، وكنت أشعر بالملل الشديد، وللأسف لا تسعفني ذاكرتي لتذكر اسم الأستاذ الرائع الذي كان يدير المحفل، ولكنّه وجّه سؤال غريب بعض الشيء لي بعدما أنهيت قراءتي، وقال لي: “لماذا أنت هنا؟” ولازلت أذكر ذلك الجواب “لأني أبي الوقت يمشي!” وساد الصمت بعدها في القاعة واستكمل هوَ القراءة!، حقيقة قد أكون اكتشفت في تلك اللحظة أنّي صريحٌ بعض الشيء!، ولم أكن أرغب بأن أكون فظاً مملاً، ولكنّ الجواب كان قاسياً بعض الشيء، إلا أنّ هذا الأستاذ تعامل مع الموقف بكل هدوء وابتسامة بسيطة أعادتني إلى رشدي، ومنذ تلك اللحظة وأنا أحاول أن أكون جاداً في المواقف التي تتطلّب الجديّة.
محاولاتي الأولى في الكتابة الجادّة بعيداً عن القصص والروايات وقد تكون هي ما قبل القصص فأنا فعلياً لا أتذكر هذا الأمر بشكل جيّد ولكن الكتابة عن مؤسسة الرقيم ساعدني على تذكّر بعض الأمور، فالمؤسسة كانت تمتلك مجلة شهرية تصدر كل شهر، وكانت بلون واحد فكنّا في كلّ مرّة نختار اللون فتارة نجدها زرقاء وتارة نجدها حمراء أو سوداء وهكذا، وكانت تحمل اسم مجلة الذكر وكانت توزّع في المساجد والحُسينيات وهي نشاط أحبّه كثيراً، قد يكون نشاطاً مُكلفاً إلا أنّه مميّز جداً ويعطي دفعة قويّة لأي شاب في الساحة، وكانت المقالة الأولى ملطوش نصفها من مجلة العربي –أحبها كثيراً– ونصف آخر محاولة للكتابة، والمفاجأة وعلى الرغم من علم الشباب القائمين على المجلّة بأن الموضوع نصفه مسروق! إلا أنّهم عرضوه وخط اسمي تحته! كان الأمر مُخجلاً كثيراً، فعاهدت نفسي على المُحاولة، وكانت التجربة الثانية مع الكتابة عن هدّاف كأس العالم 1998 هاكان سوكور الكرواتي، وجمّعت بعض المعلومات وقمت بالربط وأرسلتها للصفحة الرياضية وعُرِضَت لي هذه المقالة، وكانت الانطلاقة نحو البحث المُجد حول المعلومات الصحيحة الموجودة، الأمر المؤسف هوَ أنني كنت أمتلك بعض النسخ من المجلة إلا أنني الآن لا أجد هذه النسخ، إذا ما وجدتها سأضعها لكم.
(7)
المُخيم الأخير هوَ أكثر المخيّمات –في مؤسسة الرقيم– قرباً لي، قد يكون هذا الأمر بسبب أنّه الأخير، وأحداثه الأخيرة تركت فيّ شيء لم تتمكن الأزمان من محوها، في هذا المُخيم كُنت قد عُيّنت كـ كادر مخيّم الشبيبة وهذا الأمر كان خطيراً وجديداً بالنسبة لي، فأن تكون كادراً يعني أن تكون مسئول وهذا أمر كبير بالنسبة لي، فمنذ اللحظة الأولى شعرت بالخطر وثقل هذه المسؤولية، وقد يكون الحدث الأهم هوَ أنني عاندت وكما نقول في الكويت (ركَبْتْ رَاسي) وقد قمت برفع صوتي والصراخ على المسئول عن الشبيبة في ذلك الوقت عبدالله خضاري واتّخذ قراراً بإرجاعي إلى المنزل بعد كل هذا الشغب الذي كنت قد قمت بقيادته وكان هناك سيلاً من كلمات التوبيخ والقريبة جداً من الشتم! وكيف أنّه ترك الحبال جميعاً وأنا قمت بتدمير هذا الصرح الجميل! وكنّا في منتصف الطريق وإذا باتصال يأتيه عبر هاتفه الذي كان في ذلك الوقت – نوكيا تايغر – طبعاً أذكر هذه التفاصيل لأنني كنت أبكي في السيارة! رغبة بالعودة إلى أسوار المُخيّم، وهذا الاتصال العظيم الجميل أعادني إلى أرض المخيّم وكان العم بوعلي جمال البلوشي هوَ الطرف الثاني في المكالمة، وكان هوَ إن لم أكن مخطئاً القائد العام وقراره يلغي جميع القرارات، وكان طريق العودة صامتاً، بسيّارته الباجيرو – معلومة مباغته أتركها هنا لكم، أخطر حادث حصل لي في حياتي كان بهذه السيّارة في ليلة السابع من المحرّم وقد يكون هناك مجال آخر أذكر لكم فيها التفاصيل – العودة بالنسبة لي كانت مفاجئة فما فعلته يُعد لدى البعض خرقاً لجميع القوانين (الاحترام، الاحتراف، التعاون، .. ) إلا أنّ المفاجئ هوَ أنّه فور ما دخلت السيّارة إلى داخل السور [ نعم لقد كان المُخيّم هذا في إحدى المزارع وكنّا –الشبيبة- ننام في شاليهات مُقسّمة، والكبار كانوا ينامون في خيمة كبيرة ] حصلت مفاجأة كبيرة لي، وهي أنّ الشبيبة كلّهم بانتظاري ويهتفون بهتافات تُطالب بعودتي واستقبلني العم الكبير بوعلي بالأحضان، وقام الشبيبة بحمل أغراضي وأخذها لمكان نومي ومنهم موسى البلوشي ومحمّد سامي وغيرهم ممن ذكرت أسمائهم في التدوينات السابقة، حقيقة كانت بالنسبة لي صدمة، فهل أنا أمتلك جماهيرية بهذا الشكل هنا؟! وبعدها بدأ الأوضاع تتحسّن كثيراً فهذه العودة شكّلت قوّة لي، فأصبحت بطلاً جماهيرياً، فكان البعض يستمع إليّ ولم يكن يستمع للقائد العام!، وهذا شكّل صدعاً كبيراً بيني وبينه.
في ليلة من ليالي المُخيم ضاع أحد الشباب وكان شبة مجنون ولكنّه فعلياً ضاع!، فهو غير موجود داخل السور!، وأذكر أنّي أثرت الهلع في أرجاء المُخيم وبدأ الكل بالركض بحثاً عن هذا الشاب، ووجده محمّد النجّار قرب الأشجار – إن لم أكن مخطئاً – وكان هذا الأمر مليئاً بالعواطف، فالكل كان خارجاً للبحث عن هذا الشاب فهو صديق الجميع، ولا يحب أحد أن يضيع هذا الولد.
(8)
النهاية كانت مؤلمة جداً، فقبل العودة من المخيّم وكالعادة كان آخر يومٍ بالنسبة لي مليئ بالبكاء والدموع – لم أكن أعلم بأنّها المرّة الأخيرة التي سألتقي بها بهؤلاء الشباب – وقد تعيدني هذه المدونة إلى بعضهم فحقيقة أفرح كثيراً عندما أسمع من (ابن خالتي) بعض المعلومات حول تلك الأيّام، فعبر هذه الطريقة كنت أعلم بأنّه تفاعل فعلياً مع ما كُتب هنا، وقد أصل إلى الكثير منهم عبر هذه التدوينات فما أنا إلا باحث، ولكن كل ما أعرفه أنّني إلى هذا اليوم أحترق ألماً بعد هذا الفراق الذي حصل.
الفترة الأخيرة كانت فترة الاحتضار، فكان أحد القادة وأترفّع عن ذكر اسمه يطالبنا بعدم الذهاب إلى مجالس اللطم والبكاء على الحُسين (عليه السلام) لأنّها مجرّد طقوس من وجهة نظره ولا تزيد فينا شيء، وهي مجرّد عواطف لا ثقافة فيها!، وفي مرّة من المرّات أصر على عدم ممارسة شعيرة التطبير واللطم فكان منّا أن علّقنا نشاطنا بشكل جماعي في هذه المؤسسة وتوقّفت بعدها الحياة في هذه المؤسسة، فلم يكن الشباب وعلى الرغم من صغر سنّهم سُذّج إلى هذه الدرجة، فهذا الإنسان له مواقف كثيرة لم تكن (مضبوطة) وبدأ بعض الشباب بتأييده، ولكي لا نشارك في هذا الأمر قررنا في آخر اجتماع الخروج من الاجتماع بشكل جماعي وعلني لكي نوقف هذه المهزلة التي كادت تكون أكبر مما كانت.
(9)
أترككم الآن مع مجموعة من الصور التي وجدتها في خزانتي وكانت من سفرة إيران عام 1998م، ويظهر فيها العديد من الشباب.
(10)
أترك هذه الكلمات للتاريخ، حقاً أنا أشتاق هذه الأيام وعلى وجه الخصوص أيّام مؤسسة الرقيم الشبابية وأيّام العلاقات المُعقّدة وإن كان بعضها جاء مُحملاً بسوء، إلا أنّها صقلتني وتركت فيّ ما تركت، وأكون كاذباً إن لم أكتب لكم أنّي بكيت كثيراً بعد نهاية هذه الفترة. فهي الفترة الأهم في حياة كل شاب، وهي الفترة التي أضافت لي الكثير، واكتسبت فيها صداقات من ذهب. شكراً لمؤسسة الرقيم على كلّ شيء.