أفكاري, ذكرياتي

إلتقيت بهم. مبدعين.

من الرائع الإلتقاء بمجموعة من المبدعين وخصوصاً إن كانوا شُعراء فالشعراء المميزين لديهم فِكر خاص، ويحملون في ذواتهم مشاعر جيّاشة تنتقل عبر الكلمات، يختزلون، يتحدّثون بهدوء حول مواضيعهم -مع بعض القفشات-، والرائع بأنّ أثر الشعر والشعراء قويّ جداً، مباشر لدرجة أنّه لا يمكنك الاحساس بشيء آخر في حضور القصائد، بل تتماهى وتغيب عن الحضور البدني، تطير عبر الروح والمشاعر، تسرق اللحظات من الوقت لتُنصت، وتبتكر -القصيدة تُصبح مُلك خاص لك أنتَ فقط بعيداً عن شاعرها فور سماعك إيّاها-، تأثيرهم الكبير أنتج هذه الكلمات!.  أكمل قراءة المقالة ←

ذكرياتي

بعد تسع سنين. نعم أحب التدوين.

بعد مُرور تسع أعوام في عالم التدوين، الكثير من الأصدقاء سألني هل فعلاً أنت تستفيد من الكتابة في مُدوّنتك؟ هذه المُدوّنة مُهمّة جداً لدرجة أنّك تستقطع من راتبك مبلغ من المال لتبقى هذه المُدوّنة على وجه الخصوص على قيد الاتصال بعالم القرّاء؟ بالإضافة إلى أنّ من شاهد عدّاد القرّاء يجد أن بعض المقالات لا تتجاوز الـ 30 قراءة بدايةً، ومن ثم يتصاعد الرقم تدريجياً وبعضها أصبحت نسياً منسياً، فهل حقاً هُناك شيء مُميّز في عالم التدوين؟.

شعوري بالسعادة تضرر كثيراً في الفترات التي لم أتمكن فيها من الكتابة، أو بالأصح لم أتمكن من تخصيص وقت للكتابة، بل وفي أحيان كثيرة أجدني في دوّامة حُزن غريبة، لم أعهدها سابقاً، انشغالاتي أصبحت عائقاً أمام الكتابة التي أحب، على الرغم من أن الانشغالات التي أخذتني بعيداً عن الكتابة هيَ أمور مُهمّة جداً، لكنّي أشعر برغبة بالبُكاء بعد انقضاء ذلك اليوم الذي لم أكتب فيه حرف، حاولت مراراً الكتابة لكن بعض المُشتتات تكون أقوى من بقائي خلف شاشة الكمبيوتر والكتابة. هل فعلاً أنا أستفيد نعم قد تكون للكتابة العديد من الأهداف إلا أننّي أعتبر الكتابة هدف في بعض الأحيان!، لتنقية عقلي من الشوائب لوضع الأفكار في ورقة عمل حقيقيّة، فكُل حرف هُوَ خُطوة إمّا تكون للأمام أو للخلف، والكتابة في المُدوّنة مُفيدة جداً بالنسبة لي لأنّها تقوّيني بشكلٍ ما، وتجعل القرّاء يدعموني –أقلّة- عبد عدّاد القراءة الذي أتابعه بحِرص.

لم أفكّر في يوم من الأيام حول المبالغ التي أصرفها على هذه المُدوّنة وهل فعلاً الكتابة تكفيها؟ أم عليّ وضع بعض الأمور الأخرى التي تدعم المُدوّنة خصوصاً وأنّي أمتلك بعض الاهتمامات مثل القراءة والكتابة والتصميم والتقنية وشيء من عالم كُرة القدم!، أشبه الكثير من الأصدقاء، أحزن، أبكي، أضحك، ألعب، أكتب، كُل هذه الأمور أمرّ فيها، لم أحبب لنفسي إدخال  (الإعلانات) كمصدر لتمويل المُدوّنة بشكل مُبسّط رغم بعض المحاولات. وبما أنّ هذا السؤال وُجّه لي فعلياً فجوابي وبشكل مُباشر، نعم تستحق هذه المُدوّنة أن أستقطع مبلغاً من راتبي لتبقى مُتصّلة بشبكة الإنترنت على الدوام، هيَ إنتاج 9 سنين من الكتابة –قد يكون بعضها عشوائياً- إلا أنّ هذه الكتابة هيَ أنا بصيغةٍ أخرى.

عدّاد القرّاء لم يكن مُهماً في بداياتي، ولم يُصبح مهُماً بالنسبة لي، قد يكون الكتّاب يرغبون بانتشار كلماتهم أكثر وأكثر، لكنّي لا أسعى لهذا الأمر، فالكلمة التي يُحبّها القرّاء هُم من ينشرها، هُم من يسعى لأن تكون متوفرة لدى الأصدقاء، والكلمة التي لا تُثريهم يتركونها بكل هُدوء في عالم الإنترنت لتصبح وصلتها الإلكترونية بيتاً للأشباح وروبوتات قوقل التي تحاول جمع المعلومات والكتابات التي تُنشر هُنا، آمنت منذ البداية أنني لا أمتلك تلك الشعبية الجارفة التي تجعلني أصل إلى عدد ضخم من القرّاء، أنا كاتب بسيط يبحث عن التطوّر بعد كُل مقال أكتبه، كاتبٌ يقرأ ليتحسّن، لم أولد موهوباً في عالم الكتابة، حاولت كتابة القصص القصيرة سابقاً إن لم أكن مُخطئ في الفصل الثاني متوسّط، لكنّي لم أنجح، لم أحقق شيء. قد يكون الكثير من القرّاء عرفوني بعد أن كتبت (جئتك) هذا الكتاب الذي أعاد ولادتي في عالم التدوين.

المُميّز في عالم التدوين هوَ أن تكون على اتصال دائم مع الكتابة، مع القرّاء، مع نفسك.

××

اقترح عليّ أحدهم أن أبدأ باستقبال الدعم الذي يبدأ من مبلغ دولار واحد عبر منصّة patreon كنوع من مصادر الدعم الذي يجعل من المُدوّنة قائمة بحد ذاتها. ما رأيكم يُهمّني رأي القرّاء .. يُمكنكم التفاعل مع هذا السؤال عبر كافّة وسائل الاتصال معي، .. هُنا في التعليقات أو (تويتر) أو (فيسبوك) أو (انستاغرام) أو عبر سناب شات (HussainAlmatrok). بانتظاركم أيّها الأعزّاء.

ذكرياتي

“شفت بالنار خيمة مستعرة” وشيء من الماضي.

يُمكن لقصيدة واحدة تغيير حياتي، يُمكن لصوت “رادود” قلب أفكاري!، الانصات إلى قصيدة ما وبصوتٍ جميل فعل يشبه القراءة كثيراً، يُمكنني القول بأنّ الانصات لهذه القصائد وهيَ تُقرأ بصوت أحد الرواديد المبدعين يجعل من كلمات هذه القصائد حيّة، مُتحرّكة، ترسم لوحات نابضة أمام وجهي. لدي الكثير من الذكريات مع القصائد الحسينية، كما لدى الكثير من الأصدقاء هذه الذكريات. سأحاول التذكّر معكم، سأحاول الكتابة عن تلك القصائد التي بقيت معي إلى اليوم، ترافقني في الكثير من الحالات، في الكثير من اللحظات، وأعتقد شخصياً بأن هذه القصائد شكّلت جزء من شخصيتي الحالية!.

“شفت بالنار خيمة مستعرة” من القصائد التي أحب، وصوت “باسم الكربلائي” هوَ الصوت الأقرب لقلبي في مجال الرثاء الحسيني إلى الآن، كتبت هذه القصيدة على يد الشاعر الأديب “جابر الكاظمي” في وقتٍ ما لستُ أعرفه حقيقةً. وألقاها على مسامع الحضور الكربلائيّ الشجّي أوّل مرّة في حسينية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) –الكربلائية- في دولة الكويت، ولازلت أتذكّر أنني كُنت حاضراً لذلك المجلس، كُنت في المنتصف أقف مندهشاً، فالحضور لا يزال يظهر أمامي في الكثير من اللحظات وطريقتنا في الوقوف ونحن متقابلين، لازلت أتذكّر ذلك الشاب الأشعث الذي كان يقف أمامي، نحيلاً بشكلٍ لا يصدّق أضلاعه كانت تظهر أمام عيني، أتذكّره جيداً لأنّه في لحظة ما بكى بصوتٍ عالِ، ولطم وجهه وبدأ بالنحيب بعدها ولم يهدأ إلى أن انتهى الحاج باسم الكربلائي من القصيدة بشكلٍ كامل، في ذلك الوقت لم أكن أفهم كيف يُمكن لشخص المشاركة في عزاء اللطم هذا وفي نفس الوقت البُكاء والتفاعُل مع القصائد التي تُلقى!.

في ذلك الوقت كان بعض الأصدقاء يتمكن من الحصول على التسجيل الخاص بالليلة نفسها في نفس لحظة الانتهاء من المجلس!، كان الأمر مُذهلاً ويُشعرني بأنني أعرف أناساً لهم صِلات كبيرة في الحُسينية، إلا أنّني اكتشفت أنّ الأمر طبيعي لاحقاً، يكفي أن تعرف ذلك الشاب الواقف خلف جهاز التسجيل، يَنسخ لك التسجيل في لحظات ويعطيك الشريط مقابل مبلغ بسيط من المال، كان الأمر عجيباً وقتها، إلا أن هذا الأمر مع هذه القصيدة جعلني أتساءل عن معاني بعض الكلمات التي وردت في القصيدة من الأصدقاء، لم أكن أعرف معنى كلمة “الأطناب” باللهجة العراقية الدارجة، هذه الكلمة وردت في المقطع “وبحرقة الأطناب .. نذكر لهيب الباب” هذا المقطع هوَ من جعل ذلك الشاب الواقف أمامي ينفجر، استفسرت عن هذه الكلمة واكتشفت أنّها تعني “الخيام” والربط بين الخيام والباب يجعل من خيام السيّدة زينب (عليها السلام) مُحترقة كما هوَ باب السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، قد تكون هذه المعلومة أو الربط الشعري مُتكرر إلا أن حضور الكلمات بصوتٍ كصوتِ “باسم” أمرٌ مُتجدّد حي، قادر تكوين صورة تفاعلية أمام المُستمع إليها.

منذ ذلك اليوم وأنا أبحث عن رؤية كلمات القصائد، مشاهدة الأحداث بعين القلب، لا فقط الاستماع إلى اللحن الجميل الذي يواكب المعنى.

ذكرياتي

في قُم المقدسة إلتقيت بـ ..

تشرّفت مع بداية العام بزيارة مدينة قُم المقدسّة، هذه المدينة التي تعجّ بالعُلماء الربانيين، ففي كُل زاوية هُناك رواية لأهل البيت (عليهم السلام) مكتوبة وفي مختلف الأزقّة هُناك يقطن مراجع الشيعة الامامية ويمكنك بمجرّد وصولك إلى هذه الأرض الطاهرة أن تُشاهد كميّة طلبة العلم المتوجين بالعمامة البيضاء أو السوداء، في تلك البقعة يسكن جسد طاهر لابنة وليّ الله وأخت ولي الله وعمّة ولي الله (عليهم السلام). هي العظيمة التي تُغدق على هذا المكان بكل أشكال الحياة، اسمها فاطمة المعصومة، هذه المرأة الجليلة القَدر التي ماتت وهيَ شابّة في قُم المقدّسة، فبُنيَ لها المرقد المهيب الذي يُمكن للعيّان أن يشاهد قبّته الذهبية اللامعة التي تعانق السماء.

في مدينة قُم المقدّسة هذا العام التقيت بعد طول فراق بسماحة المرجع الديني الكبير السيد صادق الحسيني الشيرازي هذا الرجل دفع هوَ وأسرته الكثير في سبيل الإسلام العظيم، لم يكن اللقاء عادياً ككُل اللقاءات التي حضرتها سابقاً، فهذا اللقاء كان برفقة عائلتي الكريمة ورفقة أهلي وأصحابي وأحبابي، لم يكن الأمر بسيطاً كُنا تقريباً 100 شخص في تلك القاعة التي سيلقي فيها المرجع كلمته المُختصرة لنا. خلال الكلمة طرح بعض المفاهيم حول العفو والتسامح الذي ينطلق عادةً من السُلطة الأعلى كالأب لأبنائه وكالحاكم لرعيته ..الخ، إلا أنّه أكثر ما لفت انتباهي خلال هذه المحاضرة وما حصل بعد المحاضرة من التفاف المؤمنين حول السيد المرجع وكأنّهم فعلاً عائلة تُحب والدها وراعيها، هذه الحالة التي قلّ نظيرها في شتى بقاع العالم شاهدتها بأم عيني في العديد من المرّات مع السيّد المرجع حفظه الله، إلا أنّها في هذه المرّة حرّكت قلمي، إن هذا الرجل يمثّل تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) في تحركاته في كلماته في اختياره لمفرداته، هذا الإنسان يجسّد تعاليم القرآن بابتسامته لكل المؤمنين وتعامله الراقي مع الجميع، كباراً صغارا. يُمكنني وصفه بأنّه .. أب.

كما أننا تشرفنا بتناول وجبة الغداء في بيت سماحة السيد المرجع وفي اليوم الثاني في بيت سماحة السيد حسين الشيرازي نجل المرجع بعد الاستماع لكلمة مُهمّة جداً حول أهميّة (الخطوة) سواء كانت في اتجاه رضا الباري عزّ وجل أو في اتجاه سخط الباري عزّ وجل، الخطوة نحو الأمام أو الخلف هيَ خطوة مُختلف تغيّر مجرى حياة الإنسان، وفي الكلمة القصيرة حاول سماحة السيّد غرس فكرة (خطورة الخطوة) لكي لا نقع في هذه الخطوات عبر أسلوب وعظي قصصي جميل مُحبب لجميع الأطياف، وعلى عادة آل الشيرازي الكرام أهدينا قرآن كريم بخط جميل جداً وأهدينا بعض الكُتب منها: (أسرار زيارة كربلاء .. بحث روائي حول زيارة الإمام الحسين -عليه السلام-)، المسائل الإسلامية المطابقة لفتاوى السيّد المرجع.

شكراً لله على نعمة زيارة السيّد المعصومة صلوات الله عليها، وشكراً لله على لقائي بسماحة السيد المرجع، وشكراً لله على عظيم منّه عليّ في كُل حين، رحلة لا يُمكنني نسيان الكثير من تفاصيلها، إلا أنني أفضّل الاحتفاظ بشيء لنفسي.

إلهي بحق السيّدة المعصومة (عليها السلام) احفظ لنا المرجع السيّد صادق الحسيني الشيرازي من كُل سوء ..