بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي الزهراء محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
” أكثروا من الأصدقاء، فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة، أمّا الدنيا فحوائج يقومون بها، وأمّا الآخرة فأهل جهنّم قالوا: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}” قالها مولاي الصادق عليه السلام، حقيقةً الصداقة ليست قضيّة عادية أو بسيطة، فهي قضية ضرورية ومن ضرورات الحياة، وتحدد مصيرك في المستقبل إذا ما أخطأت الإختيارات، أو لم تصلّح هذه الإختيارات، فهي قد تقودك إلى الجنّة أو النار، فالتأثير الذي يحدث خطير جداً، فهوَ يحدث بتدرّج وببطء شديد، كمن يقلي ضفدعاً حياً، لن تلاحظ هذا التغيير الذي يحصل لحياتك بسهولة بل ستكتشف بعد مدّة طويلة ماذا صنع هذا الصديق بحياتك، وكيف أضاف وماذا سرق منك!.
يقول الحكيم لقمان لابنه ” يا بني صاحب العلماء واقرب منهم، وجالسهم وزرهم في بيوتهم، فلعلك تشبههم، فتكون معهم، واجلس مع صلحائهم، فربما أصابهم الله برحمة فتدخل فيها فيصيبك وإن كنت صالحاً فأبعد من الأشرار والسفهاء، فربما أصابهم الله بعذاب فيصيبك معهم” تماماً كالمرض الذي لا يصاحبه ألم، فهو يكون غالباً خطير جداً، فاكتشافه يكون بعد فوات الأوان، وهنا مكمن الخطورة، فأحياناً لا يشعر الصديق بأنّ انحرافه بسبب صديق هوَ أكثر خطورة من أيّ شيء آخر موجود في حياته!.
الصداقة، قضيّتها قضية اختيار، فلا يوجد صدفة للصداقات، فلم أسمع في يوم عن شخصين صديقين جمعتهم الصدفة ليكونوا أصدقاء، بل غالباً ما تتوفّر أرضية لتكون هناك علاقة بينهما، وهذه الأرضية قد تكون جيّدة أو سيئة، ولكنّها تتوفّر وتتشكّل على حسب الأوضاع التي يكون بها الشخص، يقول حبيب الله محمّد –صلى الله عليه وآله- ” المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ” وعليك في رحلتك في هذه الدنيا التساؤل الدائم (من هوَ صديقي؟) فلا تترك للأرض اختيار الأصدقاء فقد تختار لك شيئاً سيئاً وذلك لسوء تقديرها لك.
{حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} هكذا يتمنّى بعض الأصدقاء بعد فتوات الأوان، ولكن ليسَ معنى هذا الأمر أن لا يصادق البشر، بل يعيشون حالة العزلة، أو أنّهم يصبحون مهووسين صداقات، فالإعتدال أمر جيّد وحَسَن، فيجب عليكَ أن تطبّق “كن مع الناس ولا تكن منهم”، فالمؤمن إذا وجد الأصدقاء المؤمنين يجب عليه أن يصادقهم ويحافظ عليهم، ولنا في قول رسول الله –صلى الله عليه وآله- أسوة “إن المؤمن يسكن إلى أخيه كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد”، والإنسان يبقى واحداً، ولكنّ أمير المؤمنين يصف المؤمن بالكثير في حالة وجود الإخوان “المرء كثير بإخوانه” فغالباً ما نسمع كلمة (جماعة فلان).
قد يتساءل البعض: أليست كثرة الإخوان ضارّة؟، أقول نعم إذا أسأت اختيارهم فهي حتماً ضارّة وإذا ما اخترت بشكل سليم فهي رائعة، أمّا (قرناء السوء) فهم شيء آخر يجب أن تكون العزلة ضدّهم صارمة وقويّة للحفاظ على الشخصية التي يحملها الإنسان، ولكنْ العزلة لا تكون بالهرب منهم إلا إذا كانت الأحوال سيئة كما أحوال [ أهل الكهف ] وإلا فلنكن كما كان أبو ذر الغفاري، يتحدّث للجميع ويبحث عن الإصلاح في جسد الأمّة.
[ قصّة ]
لازلت أذكر أيّام كنّا في مؤسسة الرضوان الشبابية، وهي مؤسسة رائعة جداً بشبابها الكرام، وبحماسهم الكبير، والصداقات التي اكتسبتها من هذه المؤسسة كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولكن للأسف كان هناك بعض من عاش فيها ممن ينطبق عليه قول الإمام علي عليه السلام “من خشنت عريكته، أفقرت حاشيته” فلم يكن يقدّم تنازلاً واحداً ويرى طريقه صحيح جداً ولا يجب التنازل عنها وكأنّ آراءه وأفكاره هي فقط الصحيحة وأمّا البقية فهم كزبد البحر في آرائهم!.
[ التنازل ضرورة! ]
لست أنادي بالتنازل الكامل عن الحقوق والإحساس بالواجبات، ولكن تنازلات تكفل علاقة جيّدة وطويلة الأمد، والتنازل يعني أن تعرف حدودك وحدود أصدقائك وتحترم حدودك وتحترم حدودهم، وها هوَ عميد التربية وأستاذ اللغة مولاي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول “فليس بأخ من ضيعت حقوقه”.
تساؤلات:
1- هل تختر أصدقائك؟
2- هل جميع الأصدقاء على قدر متساوٍ لتكوين علاقة جيّدة معهم؟
3- ما هيَ أنواع الأصدقاء؟