*قراءة ذاتية لكِتاب، أنصحك بإعداد كوب قهوة / شاي والاستمتاع بالمحتوى، ومُحاولة الاستفادة إن كانت هُناك فائدة في المقال، فهوَ لم يُكتب لأجل المُتعة الصِرفة وإنما كان رحلة يومية قضيتها برفقة كِتاب أضعه بين يديك بقراءة استثنائية، ليست مُراجعة، إنها قراءة ذاتية.
أكثر من 50% من أفعالنا في هذه الحياة في أيّ يومٍ اعتيادي أو غير اعتيادي تكون معتمدة بشكل كُلي على أفعال متكررة، أفعال “أوتوماتيكية” أو ما يُطلق عليها “عادات”، وهذه العادات تشكّلت عبر رحلة حياتنا، وبعضها في خدمتنا عموماً وبعضها يعمل ضدّنا بشكل خطير. ولأدوارها الخطيرة في حياتنا، فإن عملية فهمها وكيفية تغييرها وتشكيلها لتكون في خدمة أهدافنا أمر مُهم جداً، وفي كِتاب العادات الذريّة للكاتب جيمس كلير وجدت الكثير من الخطوات العملية التي يُمكن تطبيقها عملياً مثل: كيفَ نشكّل عادة جديدة؟ كيفَ نحطّم عادة سيئة؟ والتغيير بعيد المدى كيف يتحقق من عادات صغيرة جداً؟ وستجد في الكلمات القادمة أمثلة من واقع حياتي الشخصية.
التغييرات الصغيرة تقود لتغييرات هائلة
السلوك البشري لا يأتي من العَدم، كُل خطوة يتّخذها الإنسان تخلق خُطوة أخرى تتبعها، نحن على سبيل المثال عندما نشعر بالضيق نتّجه إلى الأكل في أغلب الأحيان، وأحياناً يتجّه البعض لشراء ملابس جديدة قد لا يحتاجها، وهذه الأمور أصبحت عادات لنا منذُ الصغر، فالبعض عندما يبدأ بالقلق يقوم بقضم أضافره بشكل تلقائي، وكذلك هُناك من يقوم بالتدخين، هذه الأمور لا تحدث حالياً اعتباطاً، إنها مترابطة، ربطناها نحن منذ زمنٍ بعيد، والفكرة الأساس التي انطلق منها الكاتب هيَ “العادة الذريّة هيَ تطوير بنسبة 1% في السلوك، ومع الوقت والتراكم سيكون هُناك تغيير عظيم حدث” ولكنّي شخصياً لم أفهم فكرة “الـ 1%” حتّى تأمّلت حالي وأفكاري الخاصّة بالتغيير والتطوير التي اعتدت عليها، لأنني قادم من بيئة إبداعية ومُحيط يتمكن من إزاحة الجِبال إن تحرّك في خطواته، إلا أنّه وللأسف لم أعد شاباً كما كُنت فيما مضى، فلم يعد التغيير بالسهولة التي أتوقعها “نحن نضغط على أنفسنا كي نقوم بتحسين واحد كبير سيجعل الجميع يتحدّون عنه.” كما أنني وجدت في الكِتاب مُعادلة رياضية جميلة 1% تحسّن يومي تعني نتائج أفضل بنحو 37 ضعفاً بعد عام واحد.
إن فكرة التغيير الهائل هيَ العائق الأكبر، كما أنّها عائق في عالم “الكِتابة” – عندما أقدّم وِرَشاً تخصها أجد البعض يريد أن يكون شكسبير أو عبدالرحمن منيف أو دوستويفسكي منذ اللحظة الأولى بعد التدرّيبات التي يُفترض أنها تغيّر طبائع وعادات الكاتب ليتحصّل على التِرس الأوّلي – فكرة التغيير الهائل تُشبه إلى حد كبير فكرة إتقان العمل لدرجة الكمال، وهي كذلك عائق النشر الأخطر في عالم الكِتابة، فالبعض يبحث عن الإتقان -الذي غالباً لن يصل أو يأتي بعد تجارب كثيرة جداً، وأخطاء متعددة، وهذه الأخطاء والتجارب تقودنا لمرحلة (النضج).
لا تفكّر بالأهداف، ركّز على نظام حياتك.
قد تكون هيَ المرّة الأولى التي أكتبها، تحقيق الأهداف لا يرتبط بتفكيرك للأهداف، بل النظام الذي يقودك لتحقيق الأهداف، الأهداف هيَ تغييرات لحظية، أتذكّر في المرحلة الثانوية كُانت لديّ مهارة الدراسة قبل ليلة واحد من الامتحان، وذلك لتحصيل أعلى قدر من الدرجات، إلا أنّ هذه المهارة لم تأخذ بيدي لفترة طويلة لاحقاً، كُنت أشعر بالملل من القراءة، بالملل من أي عمل طويل، فالنتائج القصيرة هيَ التي تُغذّي عقلي، كما أنّ تحقيق الهدف بشكل سريع يحد من السعادة، يجعلها مُرتبطة بالهدف النهائي -وهيَ لحظة واحدة-، السعادة الحقيقية يجب أن يكون في الرحلة المُتعبة في أغلب الأحيان.
هُنا نقُطة يجب الإلتفات لها فنحن لم إن ربطنا تقدّمنا في هذه الحياة بتحقيق الأهداف نكون ربطنا مصيرنا العقلي بـ “إما” ننجح “أو” نكون فاشلين!، وهذا الأمر خطير، فأنتَ فعلياً عليك التعلّم من تجاربك، من رحلتك الطويلة في هذه الحياة، عليك أن تقع بحُب الخطوات لا الهدف النهائي وعندما ستعرف كيف يُمكنك الوصول للأهداف.
سابقاً كُنّا ننظم (مُخيم الإمام الصادق -عليه السلام-)، يوم افتتاح المُخيم الشبابي هوَ يوم تتويج الجهود التي استمرت لمدّة 60 يوم تقريباً سابق، وقد تصل إلى 90 يوم من التحضيرات، اليوم لا نتذكّر الكثير من أيّام المُخيّم بل نتذكّر أنا والأصدقاء الكثير الكثير من اللحظات التي كانت أيّام (التحضيرات) وهيَ التي عشقناها، ولهذا كُنّا قادرين على الاستمرار آنذاك.
طبقات التغيير.
هُناك ثلاث طبقات لتغيير السلوك، علينا الالتفات لها لفهم كيف يُمكننا تحقيق التغيير الذي نبحث عنه.
- تغيير النتائج: هُنا نحن نبحث عن تغيير النتائج مباشرةً، مثلاً (الفوز ببطولة، فقدان وزن).
- تغيير العمليات: في هذه الطبقة نحن نتحدث عن نظام الحياة، التغيير الذي يحدث هُنا عادةً يكون على المدى البعيد.
- تغيير الهويّة: يمكننا القول بأنّ هذا التغيير مرتبط بالمعتقدات، بالصورة الذاتية، بالنظرة إلى العالم، وإن كُنا نعاني من تحيّزات في اتخاذ القرارات، فإنها نابعة من هذا المكان.
هذه الطبقات هيَ من يجب عليك مُراقبتها إذا ما كُنت تنشد التغيير، لا تتجّه لتغير النتائج، انطلق لفهم الهُوية، هل تُريد أن تكون مُفكّراً؟ هل تُريد أن تكون رادوداً؟ هل تُريد أن تكون شاعراً؟ تاجراً؟..إلخ، هذه هيَ الهوية التي تبحث عنها أنت، لكن كيف ستكون أيّاً من هذه الأشياء؟ على سبيل المثال لا الحصر -وهُنا انحياز- إن كُنت تُريد أن تكون كاتباً وتُعرّف ككاتب فعليك أن تكتب، أن تنشر، أن يقرأ الآخرون نتاجك، وبشكل مستمر وبعدها سيُطلق الآخرون عليك هذا اللقب دون استجداءٍ منك.
عندما تُحدد هويتك، ستكون قادراً على تغيير العمليات -التي ستقودك لتشكيل هويّتك-، لا تغيّر العادات بلا تحديد الهويّة التي تنشدها، غالباً ستفشل في تغيير شيء إن لم يكن مُرتبطاً بأمرٍ ما.
كيف تتشكّل العادات؟
هل تساءلت يوماً عن كيفية تشكّل العادات؟ الأمر مُدهش لدرجة أننا لا نلتفت له، هل يُمكنك أن تخبرني ماذا تفعل عندما تدخل غُرفة مُظلمة؟ بشكل تلقائي ستبحث عن مقبس الكهرباء لإضاءة الغُرفة، وهذا الفعل تشكل لديك بعد تجربة أولى كانت منذ زمنٍ بعيد، تساعدك الآن وبشكل متكرر على إضاءة الغُرف المظلمة، العقل يرى أربعة خُطوات لتحقيق هذا الأمر وتسجيله كعادة خاصّة بك، أولاً (الإشارة) أو لنقل الشرارة، التي تشغّل ذاكرتنا، ثانياً (التوق) وهيَ اشتياقنا إلى أمرٍ ما، وثالثاً (الاستجابة) عندما نقوم بفعلٍ ما، ورابعاً وأخيراً (المُكافأة)، ولشرح هذه النقاط سأنقل لكم قصّة سريعة جداً من حياتي.
كُلّما قررت الكِتابة اتجهت لتحضير القهوة، وقبل البداية أقوم بتشغيل بعض الصوتيات، وبعدها أبدأ بالكِتابة، الأمر هذا تلقائيٌّ جداً حالياً لا أتصنّعه، لكن عندما راقبته اكتشفت أنني صنعت عادة (صنع القهوة) -الاستجابة- المُرتبطة بالإشارة الخاصّة بالكِتابة، وعندما أنتهي من الكُوب أكون أكملت الدائرة (فهذه هيَ المُكافأة) التي (تُقت لها).
يُمكنني تغيير هذا الأمر، وربطه بأكل الفاكهة مثلاً إن كُنت مُتيقظاً كما أنا الآن، لكنّي سعيد بهذا السلوك، فهذه الأجواء هيَ التي أحبّها للكِتابة بشكلٍ عام.
وإذا أزلنا نقطة واحدة أو أسقطنا خُطوة من خطوات تشكيل العادات، لن تتشكل معنا عادة فعلياً، فإن كُنت أقوم بشرب القهوة بلا (إشارة) فهيَ ليست عادة، ولا يُمكن الاعتماد عليها لإيقاظِ الكِتابة -مثلاً- بل إنني أفكّر بالكِتابة أولاً (إشارتي) وبعدها أقوم بتحضير القهوة.
للعلم هذه الأمور لا تحدث بين الحين والآخر، هيَ تحدث باستمرار، بشكل متصل، مرحلة المشكلة (الإشارة، التوق) ومرحلة الحل (الاستجابة، المُكافأة)، عندما تفشل في مشروع ما، تتجّه إلى الهاتف تتصفّح (إنستاغرام) وبعدها تضيّع الكثير من الوقت وتشعر بالراحة.
كيف أغيّر السلوك؟
لاكتساب عادة، بكل بساطة، اجعلها واضحة، جذّابة، سهلة، مُشبِعة. وللتخلّص من عادةٍ ما اجعلها خفيّة، غير جذّابة، صعبة، غير مُشبعة.
سابقاً كُنت أقوم بأكل عُلبة “كيت كات” عندما أبدأ بالكِتابة، الآن تخلّصت من هذه العادة، لأنني اكتشفت أنّ “أصابع الكاكاو” غير مُشبعة، والقهوة قامت بهذا الفعل، مُرضية لذائقتي، مُنبّه لذاكرتي وعقلي.
الخُطوة الأولى والأهم لتغيير العادات التي تُريد التخلّص منها هيَ مُراقبة العادات. لا تهمل المُراقبة.
أخيراً عملية بناء العادات ليست لحظية، هيَ خطوات صغيرة، حجمها حجم الذرّة، لكنّها تقوم بالانفجار لاحقاً بشكلٍ مُدهش، أن تبدأ بِقراءة 5 صفحات من كِتاب ما الآن وبشكلٍ يومي تعني أنّك قرأت 1825 صفحة سنوياً، تخيّل أنّك تقرأ 100 صفحة يومياً في نهاية السنة ستصل إلى 36500 ألف صفحة قرأتها، وتخيّل حجم التغيير الذي سيحصل لك؟ الأمر يستحق التجربة فإن كُنت تريد أن تصبح موسوعة تاريخية ابدأ بقراءة التاريخ، ستجد فيه الكثير من الدروس والمقاربات التي تأخذ بيدك لفهم الحاضر، إن كُنت تريد أن تغدو أديباً ابدأ بقراءة الأعمال الأدبية، وهكذا.
غيّر من العادات الصغيرة جداً، استبدل مشاهدة الفيديوهات المضحكة بفيديوهات مفيدة مع تدوين الفوائد من هذه الفيديوهات، اجعله طقساً يومياً، ستجد أنّك خلال أشهر قليلة تمتلك معرفة ومعلومات وموضوعات يمكنك ربطها ببعض والانطلاق لتقديم الفائدة لمحيطك بما أنّها أفادتك أنت.
تذكّر، لا تبحث عن القيام بعملية تغيير جذرية، فهيَ مُرهقة، ابحث عن التغييرات الصغيرة جداً جداً التي يُمكنها أن تصنع عادات لا تتعبك، عادات تلقائية، وأفعال تقودك إلى العظمة في مجالٍ ما.
لستُ أنصحك، إنما أريك طريقة أخرى للحياة.