“اقرأ ١٠٠ كِتاب في السنة” هذا الأمر الجديد الذي ظهر في الإنترنت خلال السنوات الماضية لا أعتقد أنني أوافقه الآن على الرغم من أنني شاركت في مثل هذا التحدّي، وعند محاولتي التي “فشلت” شاهدت العديد من الأصدقاء يرغبون بتعلّم مهارات القراءة السريعة، ويريدون خطوات لاختصار الوقت اللازم للانتهاء من قراءة كِتاب ما، بل واستغل البعض هذا الأمر وطَرح دورات “تخصصيّة” في القراءة السريعة وكيف يُمكن قراءة مئات الكُتب خلال أشهر قليلة، بل إنّ البعض ادّعى بأنّ السرّ الخاص بالنجاح مُرتبط بكميّة الكُتب التي تُقرأ وعدد الصفحات التي تُطوى.
عليّ الاعتراف أنني ولفترة طويلة كُنت أعتقد بأن هُناك حالة من التحدّي بيني وبين عدد الكُتب التي يجب عليّ قراءتها في السنة، لم أكن أمتلك استراتيجية أو تركيز مُحدّد حول هذا الأمر. عليّ الاعتراف بأن الأمر مُلهم جداً، وفي تلك الحالة تمكنت من الحصول على العديد من الأفكار وقمت بمناقشة تلك الأفكار مع العديد من القرّاء والأصدقاء. لكن “عملية صنع رابط” بين القراءة والنجاح وغيرها من الأمور هيَ عملية ظالمة جداً، فالقراءة جُزء من عملية ضخمة نقوم بها كبشر في حياتنا، فقط تذكّروا أنّكم في حالة القراءة أنتم تُهملون بعض الأمور التي قد تكون ذات أولوية في حياتكم. ولمعرفة كُل الأشياء لنُحطّم هذه التساؤلات قليلاً.
لماذا نقرأ؟
مبدئياً نحن نقرأ لأمرين بسيطين جداً:
لنرفع من مُعدّل المعرفة لنفهم العالم بشكل أفضل، فالمَعرفة التي تقودنا -للشقاء- تُساهم في فهمت الكثير من الأمور المجهولة بالنسبة لنا. القراء في صورتها العامّة تقع غالباً في هذا الإطار، المَعرفة الناتجة عن رؤية أفكار الآخرين على شكل كلمات مكتوبة، للتعرّف على وجهات النظر من زوايا أخرى.
الأمر الآخر الذي نقرأ من أجله هوَ اختبار مشاعرنا فيُمكننا عبر القراءة فهم الآخرين أكثر، والتعمّق في فهم الشخصيات، الشعور بما شعروا به، الاحساس بتجاربهم وهيَ حيّة بكلماتهم. أماكن لم نكن فيها بتاتاً، وتجارب لم نقدر في يومٍ ما على تجربتها. القراءة في هذا المكان هيَ قراءة مُحفّزة ومُمتعة.
ولشرح هذين الأمرين، نحن نَقرأ الكُتب الفلسفية والعِلمية والتاريخية وبعض السِير الذاتية والمذكّرات -التي قد نراها في النقطة الأخرى كذلك- وكُتب الإدارة وفنون التسويق وغيرها من الكُتب التي تناقش الأفكار وتشرح بعضها، لاكتساب المعرفة. ونقرأ الروايات والمسرح والشِعر وكُل ما يَنتج عن خيالات أو يأخذ شكل أدبي مثل القصص كنوع من التجربة واختبار لكل المعرفة التي اكتسبناها، وكذلك لاكتشاف البهجة والدهشة التي عادة ما تصاحب هذا النوع من القراءة.
المزيد من الكُتب = بيل غيتس الجديد؟
“أعتقد يجب أن نقرأ فقط الكُتب التي تجرحنا وتطعننا. إذا كان الكِتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بضربة على الرأس، فلماذا نقرأه؟” كَتبها فرانز كافكا قبل سنين طويلة، وإننا اليوم في عالم مُعقّد جداً. لهذا علينا تبسيط بعض الأمور، وكما قال العبقري الألماني إن الأمر يحتاج إلى خبطة في الرأس لا أكثر، لنُعيد تشكيل الأمور، بدل أن نقرأ ١٠٠ كتاب في السنة، علينا أن نقرأ عشرة كُتب تَتمكن من فِعل هذا الأمر.
أحياناً نقرأ للهرب، لتضييع الوقت لا أكثر، الهرب من الواقع، نريد التواجد في مُخيّلتنا لبناء عالمٍ موازٍ جيّد يليق بأفكارنا، في أغلب الأحيان هذه الحالة يجب ألا تستمر طويلاً وإلا كانت إدماناً مُخلاً، لا يصنع فِكراً قادراً على الصمود، بل يجعلنا أكثر هشاشة، وأكثر عُرضة للهزّات، وأكثر إحباطاً من الواقع المرير. المزيد من الكُتب يجب أن يكون بِوعي كبير، وباختيارات تخصّنا، تكسر الجليد. هل لازلت مصراً على القراءة من أجل الهرب؟ اهرب للامام، انطلق من الحاضر إلى المستقبل، لا تَعِش في ماضيك وذكرياتك وتُطبّق عليها ما تقرأ.
المزيد من الكُتب الرديئة لا تعني أنّني سأكون “بيل غيتس” الجديد أبداً، بل قد أغوص في تفاهات، أو أفكار مُكرّرة لا تضيف لي الجديد بتاتاً، الكُتب التي صِيغت بطريقة تلهمني بطريقة “الصدمة” هيَ الكُتب التي أبحث عنها في الغالب، سواء كانت رواية أم كِتاب فِكري، فما يُهمنّي يختلف عن عمّا يهمك، وما يُعجبني قد لا يعجبك.
أرجوك أكمل القراءة الآن ..
أرجوك اقرأ، مُهم هذا الأمر، فاكتشافك لما هوَ تافه وما هوَ جيّد، ما يصلح لك ولا يصلح يحتاج إلى عملية القراءة، لكن توقّف عن العَد فالأمر لا شأن للعدد فيه، قد تقرأ كِتاب واحد وتتغيّر نظرتك للحياة، قد تقرأ كِتاب حول الموت فتعي أن الأمور ليست كما تتصوّرها أنت، قد تستقظ من منامٍ طال.
اقرأ للفهم، اقرأ لربط النقاط، اقرأ للتخيّل. الكُتب سِحرية جداً، بل هيَ السِحر الأسود الذي يُحكى عنه، وإنّي من أؤلئك الذين يتمنّون أن يَكون اليوم طويل جداً ولا ينتهي ليكون هُناك مُتسَع للقراءة والكِتابة، أن يكون هُناك وقت لا يُحتسب مثلاً -ذلك أمر مثير-، لكن الأمر لا يكون كذلك، القراءة يُمكنها أن تأخذ في نهاية الأمر جُزء من الوقت فقط. ولديك مسؤوليات ومَهام في هذه الحياة بجانب القراءة، فأرجوك لا تعلمها كمضيعة للوقت، هيَ عملية خطيرة تحتاج إلى اهتمام وعِناية. فاقرأ حتّى