في عالم القراءة أنت تتعامل مع أخطر ما يُمكن لك أن تتعامل معه، أنتَ تدخل في حقلِ الأفكار، في مُحيط متفجّراتٍ حيّة بانتظار فهمك لها، وقطفك لها. ليست القراءة طيّبة جداً كما يُصوّر البعض أو حتّى يُفهم من كلامي في بعض الأحيان، إنّ القراءة مُحيط مُدهش لكنّه مُخيف، قد تطّلع على فِكرة تسلبُك النوم، وتُدخلك عالماً أنتَ في غِنى عنه. وعلى الرُغم من كُل هذا إلا أنّه يُمكنني الزعم أنّها العملية الأكثر قُوّة في صناعة الشخصية، والأكثر أماناً في فَهم هذا الكون دون اللجوء إلى التجربة، وعلى سبيل المثال: يُمكننا فهم شخصية القاتل إذا قرأنا في تاريخ القَتلة، أو رواية يكون بطلها قاتل. لسنا بحاجة إلى الدخول إلى السِجن أبداً، فالأمر مُمكن الفهم في عالم القراءة.
قبل أن تشرع بقراءة الكِتاب سواء كان عمل فِكري أو عمل أدبي أو عمل تاريخي ..الخ، اطلع على الكاتب، نحن في زمن يمُكنك فيه معرفة الكثير عن الكاتب من حِساباته الشخصية، ومقالاته الخاصّة، اطلع عليها، يُمكنك ذلك. أعرف نظرية موت المؤلف التي أطلقها في ستينيات القرن الماضي “رولان بارت”، لكن لا بأس من الاطلاع على الكاتب فالحروف ابنة الظروف في كثير من الأحيان، نعم لا تُطبّق كُل شيء على الكاتب، فعلى سبيل المثال إن تحدّث الكاتب في كِتاباته عن شخص يتعاطى المُخدّرات بإتقان وحِرفية عالية، فلا تفترض مباشرةً أنّ الكاتب صنع هذا الصنع أو أنّ بعض الأمور نابعة من خبرته الشخصية، فالكُتّاب لديهم قدرة مُذهلة على التقمّص، والبحث والسؤال وغيرها من الأدوات التي تساهم في بناء نصوصهم بشكل أقوى.
تذكّر كذلك أنّ الكُتب التي تقرأ ليست مقدّسة -نحن هُنا نتحدّث عن كُتب أنتجها البشر- يُمكنك أن تعارض فِكرةً ما، يُمكنك أن تناقش فكرةً ما -وإن مات المؤلف فعلياً- ناقش الفِكرة مع نفسك مع الآخرين، حاول تشكيل رأي اتجاه الفِكرة التي أزعجتك، لا تتركها تمرُّ هكذا، إن عملية القراءة هيَ عملية تفكير، عملية تطوير، عملية ارتقاء إذا ما صاحبها وعي، وقراءة عميقة، أنا أستخدم أقلام التلوين وأقلام الرصاص لكتابة بعض الأمور على الكُتب، عندما أرجع للكتاب لأجد معلومة استوقفتني أجدها بسهولة كبيرة، فهيَ تمّ اقتناصها في لحظة القراءة.
قد تكون لغتي هُنا ناصحة، أو مُوَجّهة، لكن يُمكنك أن تقرأ وتستمع ولا تطبّق شيء من المعلومات التي أسردها هُنا. قد أنصحك بِكتاب وتشرع بقراءته وتتواصل معي وتشتمني قائلاً بأنّ هذا الكِتاب لا يناسبك، لا بأس. لأنّ الكُتب كثيرة، والأفكار متنوّعة، والأساليب مُختلفة، وكُل قارئ لديه كِتابه الخاص، قد أخبرك بأنّ شهر رمضان المبارك على الأبواب اقرأ كتاب “حديث شهر رمضان” على سبيل النصيحة، وقد لا يعجبك، الأمر بسيط جداً، نحن نختلف في كُل شيء، ولكل منّا بصمته الخاصّة في هذه الحياة، كذلك الكُتب، فليس كُل كِتاب يصلح لنا جميعاً، لا تبحث عن الكُتب الأكثر شُهرة، فبعضها تعيس، وبعضها لا يصلح لك، ولا تقرأ ما لا تُحب -إلا إن كُنت ترغب بتعلّم عِلمٍ ما- ولاحظ أنني كتبت “ترغب” لأنّ الرغبة عُنصر قويّ جداً في لحظة اختيار الكِتاب الذي نقرأ.
القراءة فِعل جُلّ نتاجه يتكوّن في العقل اللاواعي. ما تحتفظ به على ورقة أو في دفاترك، أو الذي تكتب عنه هوَ ما يُشكّل وعي، القراءة هيَ ثقافة السؤال والجواب، القراءة فِعل مُمتع فلا تُخرّب مُتعتك الخاصّة بالغُرور. القراءة فِعل تواضع. “اقرأ”.