أطرقُ بابَه، أجرّ خيباتي بحقيبة عقلي، أجثو على رُكبتي، أطأطئ رأسي، وجذعي مائل ناحيته، أمدّ يدي علّني أحظى بلمسةِ من كُفوفه الحانية، أستعيد ترَحاً اكتسبته في رحلتيَ الأولى نحو الوَهم، رُميتُ بالأكاذيب، بالوعود الخاسرة، بأفكارٍ جالت على صدري، طحنت أضلاعي، مزّقت ما تبقّى من أشلائي. باهتٌ أنا في حُضور النور، مُتاح للموتِ في كُل مُنعطفٍ كونيّ، مُتاح للهرب بين جَرحٍ وجرح. بِهِ بقيتُ وأبقى. وأطرق بابه.
أشعثٌ بلا وجه، فكُل ملامحي تشوّهت فوقَ تاريخٍ مضى، ركلتني الحياة، هويتُ فوقَ أرضِها لم تكتفِ .. سحلتني. رجَوتها، حُباً بالله كفى، إلا أنّها ما سَمعت صُراخي. هيَ مقبرة الشهداءُ وفناء الموتى، وساحةُ العابثين، لم تعبأ. كُلما حاولت الهَرب ساقت إليّ كُل أشكال الوَجع، داست على أصابعي ذات مرّة، سلّبتني الكِتابة. لم أنهزِم، لم أنتكس، لأنّه كانَ لي عقيدة راسخة ومُعتقدُ أزليّ، لا يموت، لا يرحل، لا يُهزم من احتمى بدِرعه، لأنه نُورُ الخلاص. طَرقتُ بابهُ مُعالجَ المرضى، مُعيدَ الحيارى، كاشفُ الكُربِ والبلوى، صائغُ المُعجزات. طرقتُ بابَ من حُروف اسمه حِرزٌ لأمانِ الخائفين.
هجرتني الحُروف يا سيّدها، هربت من بين أصابعي، ظمآن والعَطشُ فتّني، أرجوكَ افتح الباب سَبع القنطرة، افتح الباب مُنقذَ الهلكى، افتح الباب واستقني من جودِكَ المُعطاء، افتحَ الباب وامسح على رأسي. أيتامُك في كُل وادٍ هاربون؛ من بطشِ الزمان، بكَ هُم يحتمون. افتح الباب فعُزلتي باتت موحشة قاسية، أرجوكَ ولا تليق رجواي إلا بكَ يا عظيم الشأن، افتح الباب فالحياة بلا نُورك عدم.
وقفتُ على بابه مُتسولاً، عُدت إنساناً.
لولاه لما كُنتُ، ولا صِرتُ. لولاه لما عَرِفتُ بل لما عِشتُ. كُنت أحمل تَذكرةً بلا وجِهة، باسمه عُدت. بنداء العجائز، بنداء الغرقى، بنداء يا عبّاس عُدت. حيثُ كُنت صَحوت، لم تجفَل لي عين، من على مَقربةٍ من أنيس النفوس كان النداء “خُذني إليه، فإني أحترق”. من هُناكَ جاءَ الصَوت أن أقبل، فالنَار تستحيلُ برداً، والجُوع شبعا، والخوفُ أمنا، والروحُ تُشفى من أدرانها، أقبل، ولا تنسى أن تَكتب جِئتك.
أنا هاربٌ إليه على سبيل النَجاة، فكُلي حُطام، ولا يُعيد ترميمي سِواه.
شيخ العشيره..
يحكي لي ابي انه قد جرت العاده عند العرب في قديم الزمان ان يشعل شيخ العشيرة نارا كبيره في الليل ليستدل على اثرها عابر السبيل والتائه والمسافر لينزحوا الى بيت ذالك الشيخ للاستراحه والتزود بالمؤن لمتابعة الطريق.. وكانت تشعل النيران ايضا في ازمنة الضيق حتى يحصل صاحب النفس الابية على حاجته دون ان يتعرض لحرج السؤال والطلب.. وكلما جاد الشيخ بعطائه.. كلما كبر وزادت قيمته بين جماعته…
لكنه ايضا كان يستطرد قوله دائما بعد ان يحكي لنا حكايات في كرم العرب جملته الشهيره
( بس مو مثل اكرم من ابو فاضل)
عندما كنت صغيرا كنت اعتقد ان ابا فاضل احظ شيوخ العرب السمان ذوي العطاء والوجود من وفره…
حتى عرفت في سن ال١١ او ال١٢ من عمري انه ذاك الذي
اكرم من عدم..
واعطى من دون كف..
وعالج من دون طب..
وعلم دون قلم..
وكسى من غير ثوب..
واسكن من دون بيت..
ذاك الذي لايرد سائلا إلا لعله
ولا يجيب مناديا إلا لسبب
قد جمع في خصاله الكرم والعطاء والشجاعه والاقدام والجساره والهيبه والشموخ والتواضع والطاعه والصغر والغيره ( يا ويلااااااااااااه)
في غيرت سبع القنطره فقط قد اكتب مجلدات ولا انتهي
وعند غيرت ابو الفضل اقف وكفى