أفكاري

سكربتوفوبيا!

يُعاني البعض من رُهاب الكتابة للعامة، وهذا الرُهاب يحمل اسم “سكربتوفوبيا”، وهوَ بالأساس يحدث لمن يكتب أمام العامّة، ومن استقراء سريع للمحيطين بي ومن يُتابع حسابي عبر الانتساغرام لاحظت أنّ البعض يُعاني من هذا الرُهاب، فهم يكتبون بعض الأمور التي (تصلح للنشر) إلا أنّهم يحتفظون بها، وفي كثير من الأحيان يمزّقوها، أنا هُنا لا أكتب لكم عمن يكتب المُذكرات الشخصية أو الكتابة العلاجية التي يستخدمها البعض، بل إنّي أكتب لكم عن نصوص بعضها جيّد وبعضها تعيس وبعضها ممتاز، عن الكتابة التي نتشظى فيها، هذه الكِتابة التي تصنَع منّا مفكّرين في لحظةٍ ما. 

هل تُريد أن تكون كاتباً؟

أنا كُنت كذلك قبل أكثر من 15 سنة!، كُنت أريد أن أكون كاتباً للقصص، كُنت أريد كِتابة الجزء الثاني من “عدنان ولينا” وبعض حلقات “الكابتن ماجد” وشاهدت بعيني “السنافر” وهيَ تتقافز أمامي مُترجيّة إياي أن أكتب شيئاً عنها!، لكن المشكلة الكبيرة كانت أنني كُنت أتمنّى لا أكثر. بل كُنت أؤمن في ذلك الوقت بأنّي لستُ مستعداً للكتابة وأني بحاجة إلى مُعلّم مُلهم يأخذ بيدي ويقول لي: حسين إنه وقتك!. كُنت أشعر حينها بالغبطة -أقول غبطة وقد تكون مشاعر غيرة- اتجاه من يقدر على كِتابة قصّة، كان الحُلم أن أكتب قصّة.

أتذكّر في أحد فصول المرحلة الدراسية المتوسّطة طلبَ منّا الأستاذ “علي” ذو الشارب الكثيف كِتابة قصّة عن أي شيء في خيالنا. في تلك اللحظة تملّكني خوف -إلى اليوم أعاني منه عندما أنقطع عن الكِتابة- لم أكتب قصّة في حياتي، لا أعرف كيف أكتب قصّة، لماذا يطلب منّي كِتابة هذا الأمر، هل يُريد الأستاذ الضحك عليّ؟ أم إنّه يبحث عن احراجي أمام التلاميذ؟ كُل هذه الأسئلة والمزيد كانت تهاجمني حينها. على الرغم من كُل الخوف إلا أنّه كانَ واجباً مدرسياً والأستاذ “علي” يمتلك (خيزرانه) مُرعبة. كتبت أوّل قصّة في حياتي مُجرباً/ راغباً. يومها لم يُعلّق الأستاذ أمام الطلبة أبداً، بل قال رائع صنيعكم ومن هذه الكلمات المحفّزة، إلا أنّه لاحقاً اجتمع فينا واحداً تلو الآخر، لازلت أتذكّر كلمته: “تبي تصير كاتب إقرا، مستواك سيء جداً”. هناك في ذلك المكان عرفت أنّي خطوت الخُطوة الأولى اتجاه ما أحب.

لا تعلم من أينَ تبدأ؟

لفترة طويلة من الزمن كُنت أعاني من هذه المشكلة التي هيَ تُرعب كُل من يرغب بالبداية، إنها البداية الأولى، وهذه بحاجة إلى بعض الأمور منها أنّك لا تبدأ بقراءة تغريدات على تويتر في تلك اللحظة، حالما تجلس لتكتب حاول أن تصنع طقوسك الخاصّة مثلاً: كوب قهوة لإعلان البداية، وفي بداية الأمر عليك تحديد وقت مثلاً 15 دقيقة كِتابة وهنا تلميح بسيط، أنا عندما أكتب أنتظر إلى أن أتجاوز الـ 400 كلمة وبعدها أبدأ بكِتابة ما أريد حقاً، فلنسمّها تمديد عضلات الكتابة لتبدأ بالعمل بشكلٍ لائق.

لمن أكتب؟

هذا السؤال الخطير يقرع أجراسه في العقل باستمرار، تجد صوتاً يُخبرك بأنّك نكره، أنتَ لا شيء، لا تمتلك المعرفة اللازمة للكتابة. ما هوَ الحق الذي تمتلكه لتكتب لنا؟.

كُل هذه الأسئلة عادةً تظهر للكاتب الذي يحاول الكِتابة، لكن حاول أن تسأل نفسكَ هذا السؤال، هل أمتلك تجربة في هذه الحياة؟ هل تعرّضت لأمر وأمتلك وجهة نظر مُختلفة حوله؟ هل قرأت كُتباً متعدّدة في مجال مُحدد واكتسبت رأياً خاصاً؟ هل عشتَ لحظات روتينية مُملّة؟. حتّى وإن لم تمتلك إجابات جيّدة على هذه الأسئلة، لديكَ الحق الكامل للكِتابة.

أعطِ نفسكَ الحق بالكتابة، لأنّه من يريد أن يكون كاتباً عليه أن يبدأ في مكانٍ ما، وهذا المكان هوَ الآن غالباً بالنسبة لك.

أنا لا أنهي الأمور!

هذه النقطة أعتبرها كارثتي الشخصية، أكتب مسودة رواية، أقوم بتحريرها ثم حذفها، أكتب مقالاً وأقوم بتحريره ثُم أتجه لحذفه وهكذا، أؤجّل كُل كتابة بحُجج متنوّعة، أدّعي بأني مشغول بالقراءة، وأقوم بنقد ذاتي لحظة الكِتابة. من خلال الوِرَش التي حضرتها قال أحد الكّتاب المشهورين بأنّ الكِتابة عليها الظهور أولاً وإن كانت مشوّهة، ولاحقاً سنقوم بتحريرها بشكل يجعلها صلبة قادرة على الصمود أمام القرّاء. اقتل النقاد الآني الذي تفعّل خلال الكِتابة، أنتَ لاحقاً يُمكنك تعديل ما تريد.

ولإنهاء الأمور؛ أسهل ما يمكن تطبيقه هوَ وضع جدول زمني لأمورك الخاصّة بالنَشر. مثلاً كُل يوم خميس مقال. ستجد أنّك قادرٌ على إنهاء المقال ونشره.

سيُحاكموني

هذه النقطة الأكثر تردداً بين من لديهم الرغبة بالكِتابة والنشر، المُحاكمة، ثقوا تماماً بأنّ الكِتابة أو أي فِعل آخر يجعل من الناس يُحاكمونك، وأحياناً يكونون قُساة آكلي لحوم بشر، عليكَ أن تُظهر لهم مدى صلابتك، لأنّك في نهاية الأمر تتطوّر إلى الأفضل بكُل كِتابة، حاول تمضية بعض الوقت وأنت تكتب لتُظهر أفضل كِتابة وانتظر مُحاكمتهم أو تجاهلهم. وكرر الأمر، أكتب لأن الكِتابة حق أصيل تمتلكه أنت.

نُشرت بواسطة حسين مكي المتروك

رأي واحد حول “سكربتوفوبيا!”

  1. عصمت علي حميدة يقول:

    لو أنني كنت قد تعثرت بهذه التدوينة من قبل لم أكن لآخذ 5 دقائق من وقتك.

ضع تعقيباً ..