تحرّكت عجلة الرفض العُظمى لكل طغيان منذُ أن “عصروها”، وأنبتَ العَصر “كسراً” يُسمع صوتُه إلى هذا اليوم، دارت الرحى، وهُتِكَت من كانتَ “يرضى الله لرضاها”، عِلة الإيجاد رفعت الراية وصاحت “اعلموا أنّي فاطمة”. رفضَت كُل شيء يسلخ الاسلام، كُل شيء يُدخِل المسلمين في حِيرة، أعلنت رفضها لكُل ابتداع يقود الأمّة إلى الهلاك، فصارت “ساخطة” من هيَ “لولا فاطمة لما خلقتكما”.
لم يكن هذا الرفض لحظياً وإنما سرمدياً، رفضت طمس الفِكر الاسلامي، والحقيقة النورانية للنبوّة الخاتمة فهيَ القيمة المُثلى للدين الحنيف الذي أنقذنا بهِ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، بعد كانت هذه الحياة تئنُ تحت قدم الموت والغدر والخيانة والعُهر والدَمار. غرسَت -روحي فِداها- فِكرة البراءة من كُل شر، وإن تدثّر ببُردة الإسلام، فشيّدت أساسات الدِفاع عن النظام الإسلامي النقي، بكَسرِ ضِلعها وأنينها.
“خرجت”
خرجت لتحتج أمام الملأ، لتُصبح السماء شاهدة، لينقل الناس كُل ما جرى، لتُزرع لحظة رفضها في التاريخ، لتعيد رسم الخارطة التي كادت أن تُمزّق، لكيلا تُنسى “ويُقاد قهراً”، خرجت تبحث عمّن هوَ “عِدل القرآن” ناحلة الجسم باكية مكسورة الضِلع، طاردتهم؛ فارتدّ “العبد” رافعاً سوطه في وجهها، مُهددا؟ لا بل ضارباً بكل قسوة، استفرغ كُل أحقاد القوم، “هدم الفيل الكعبة أخيراً” وارتقى خدّ الطُهر جِلدٌ غليظ يُمسكُ بطرفه البعيد “عبد” -ليته كان عدماً-، فانفجَر الدّمٌ ملوّناً عضدها، عينها، بلونِ الموت، بلونِ الحُزن، بلونِ الصبر. سوادٌ يمتد ليوشِم ظُلامتها على وجه الحياة.
“أسّست”
أسست ثورة البكّائين، فبكَت حتّى أبكت وآلمت. بكتَ فرفعت سلاح الدُموع معجوناً بالدعاء. غَرستَ في الصُدور أنّة حارقة. بكت فبكينا، هيَ حصّنت ثورتها بِدماء المُحسن، وبدَمعة “قالع الباب” خلّدتها في الأبد. رحلت -عنّا- تاركةً إرثَاً ثقيلاً، خُزّن بكلماتٍ أطلقتها مُعلنة أنّها وإلى ساحة المَحشرِ “رافضة”.
“تُدفن”
تُدفن ليلاً فينطلق السؤال لماذا؟، تَرَفض صلاة كُل من آذاها فيَظهر شعاع النور ليُغطّي كُل ظلمة، يُخفى قبرها فتُرسِل نصّها الأخير إلى لحظة المحكمة العُظمى.
“ورّثت”
لن نفشل، مُقصّرين بلا شك. إلا أننا لن نفشل، فالحياة تُباد إن لم تُبكَ فاطمة الزهراء (عليها السلام)، لن نفشل في حمل هذا الإرث، طينتنا عُجنت بماء الدَمعة الأوفى، لن نسقط في فخّ الحياة، بِفاطمةَ احتمينا. بها نبكيها ونَتناقل هذا الإرث سراً وعلانية، كِتابةً، صوتاً، صورةً، نبكيها جَمرةً تتجدّد. نبكيها جزعاً مَهيبا. ونُوّرث الآتي أن ابكِ مولاتك، أن ذُد بُروحِك عن بُكائك.
“ويبقى البُكاء يمُد الفقدَ بالمعنى، ويُعيدُ صِباغة الحياة. بألوان النهاية. نتوسّله أن لا يمضي في الليالي الفاطمية”