قبل أن تقرأ هذا المقال يرجى قراءة ما يلي:
- هذا المقال كُتب للتطوير لا النقد الجارح.
- هذا المقال غير موجّه نحو أشخاص، بل هوَ يهدف للارتقاء بالجميع.
- ليس من الضروري أن تكون كافّة الأفكار المطروحة في هذا المقال صحيحة ١٠٠٪ بالنسبة للقارئ العزيز.
- المقال لا ينتقد ممارسة الشعائر الحسينية المقدّسة، بل كتبت فيه مجموعة من الأفكار التي أرى بأنّها قد تكون مناسبة وقد تُجدد في بعض الطُرق، وقد تكون خريطة طريق لمن يرغب.
- إن كُنت غير مُهتم بمجال الخدمة الحُسينية المقدّسة فهذا المقال قد لا يهمّك. فالمقال طويل بعض الشيء.
××
الرادود الحُسيني أو في بعض اللهجات المدّاح، هوَ في الوسط الاعلامي الشيعي الصوت العذب الذي ينقل كلمات الشعراء إلى مستوى مُختلف من الحضور في الأذهان، فهوَ الأستاذ في اختيار الشعر والألحان التي تخدم هذه الأشعار لتصبح ذات تأثير كبير، وهذا الرادود له حضور في حياة الكثير من الشخصيات، وله أُثر واضح على أذواق المستمعين في مجال الشعر وفي كثير من الأحيان يكون قدوة بشكلٍ ما لمن يُحبّه.
ولطالما تساءلت عن سر نجاح بعض الرواديد واخفاق بعضهم واختفاء حضورهم في الوسط الاعلامي الشيعي، وعلى الرغم من قربي من بعض الرواديد الكبار إلا أني لم أتجرّأ وأسأل هذا السؤال، لكن الأمر المُتاح لي كانت مراقبة أحوالهم وصنيعهم والانصات لأفكارهم بشكل متجرّد من مُجاملات الاعلام، وبعيداً عن عيون عدسات التصوير، وهذا ما صنع بعض الأفكار التي آمنت بها، سابقاً لم أكن أعرف مقدار الجهد المبذول من قبل هذه الشخصيات المبدعة في مجالها، كُنت أتصوّر أن عملية إلقاء قصيدة بصوت جميل على المنبر وتكون ذات تأثير عملية بسيطة جداً، لم يكن في خيالي تصوّر أكبر من: شعر يكتبه شاعر، ولحن متواجد مسبقاً وانتهى!. الأمر أكثر من هذا بكثير، إنّ الخبرة التي يتملكها هؤلاء هيَ التي جعلت الأمر يبدو بهذه السهولة وإلا فإن الموضوع خطير جداً ويسقط فيه العديد من الرواديد الصغار الذين يرغبون بارتقاء سلّم المجد، والخلود في التاريخ الشيعي بشكلٍ ما.
هذه الرسالة تكتب من وحي مراقبة عمالقة الصوت في المجال الحُسيني، كبار الرواديد، هيَ ليستْ مُوجّهة لهم بالدرجة الأولى، هيَ رسالة إلى من يُحب الاطلاع على هذا العالم، إلى الشباب، إلى الأجيال القادمة. وسيبقى السؤال “كيف نصنع رادود حُسيني؟” سؤال يؤرقني حتّى بعد الفراغ من كتابة هذه الرسالة.
- هل الصوت حقاً مُهم؟
نعم إن الصوت أحد أهم العوامل التي تساعد على قبول الجماهير للرواديد، فلا يوجد رادود لديه اقبال جماهيري لا يمتلك صوت يُعجب الجماهير التي تُنصت له، إن الإمكانيات الصوتية تأتي لاحقاً عبر التدرّب ولكن هُناك مساحة صوتية لكل مرحلة من مراحل التطوّر على الرادود الحسيني أن لا يتخطاها، هل استمعتم إلى الرادود الحسيني الحاج باسم الكربلائي فيما مضى؟ لديه مساحة صوتية مُحدّدة، الخبرة أطلقت المزيد والمزيد من إبداعاته الصوتية وتحكمّه بالصوت، هل ترغبون بمشاهدة رادود آخر وتعرفون ماذا أقصد، لاحظوا ألحان الرادود الحسيني محمّد الحجيرات قبل سنين، ولاحظوا الألحان الحالية، ولاحظوا المساحة الصوتية التي يقدّم فيها إبداعاتك، إنها مُختلفة، المبدع يعرف مساحته، يعرف طاقة صوته، ويقوم باختيار الألحان التي تُلائمه، ولا يخرج عن هذه المساحة حفاظاً على صوته، وعلى ذوق الجماهير.
- لا أمتلك الوقت لحضور المجالس؟
الصوت على الرغم من أهمّيته الكبيرة إلا أن العوامل كثيرة لصناعة الرادود الحسيني، وكُلّ هذه العوامل مُهمّة، ولا يُمكننا اغفال ضرورة الاحتكاك بالأساتذة والعمالقة في هذا المجال، حضور مجالسهم أمر مُهم فمشاهدتهم بشكل مباشر يختلف عن مشاهدتهم عبر الموبايل أو التلفزيون، على المنبر بلحمهم ودمهم، بمشاعرهم بتفاعلهم مع الجمهور الحاضر، لا يُمكنك مشاهدة طريقتهم في إدارة المنبر والحضور عبر الأثير، بل الأمر بحاجة لوجودك في المجلس ومشاهدة تصرّفاتهم، فحتّى في طريقة صعودهم المنبر هُناك درس مُهم، وطريقة ختام المجلس هُناك درس، والاختلاف هُنا وارد، فالثقافة الخاصّة بكل رادود تختلف، فأن تُشاهد الأستاذ الحُسيني باسم الكربلائي ذلك أمر استثنائي مُختلف عن ما تُشاهده مثلاً في مجالس الرادود الحسيني أحمد الباوي، كُلٌ له أسلوب وكُلٌ له طريقة، فحضورك مجالسهم بشكل مُستمر -إن لم تكن تمتلك مجلس أو حتّى بعد مجلسك- أمر مُهم لكَ أنتَ بالدرجة الأولى كرادود، فمشاهدتك لهم تختلف عن مشاهدة المُستمع الطبيعي ذلك الذي حضر ليُعزّي ويمارس شعيرة اللطم، أنتَ الأمر مُضاعفٌ عليك، الانصات، المشاهدة، التفاعل، التعلّم، فأنتَ أمام مدارس لن تجدها عبر الإنترنت، ولن تجدها في مكان آخر، هيَ تتواجد في ساعات مُحدّدة.
كما أنّ حضورك للمجالس الحسينية يزيد في ثقافتك التي أنتَ بحاجة لها لمعرفة الوقائع التاريخية، لمعرفة العقائد، لتكون مميّز جداً ولك أسلوب مُختلف عن الجميع لاحقاً، فلا تُهمل هذه النقطة.
- الاستديو يصنع رادود؟
المنبر هوَ من يساهم في صنع شخصية الرادود، المنبر الحُسيني يعلّمك الإخلاص الحُسيني بشكل مُختلف، رؤيتك لأعين -اللاطمين- ذلك أمر لن تجده في غُرفة الاستديو، صناعة الرادود مهمّة شاقّة جداً تحتاج إلى تظافر الجهود، والابتعاد عن المُسرّعات التي قد تضرّك لا تنفعك، في ما مضى كان الرادود يحتاج للسفر من منطقته إلى منطقة أخرى ليقرأ فقط (آه يحسين ومصابه) وبعدها بعض الأبيات وينزل من على المنبر ليرتقي المنبر شخص آخر له باع كبير، اليوم بإمكان الرادود الصغير -لا صغير في الخدمة أعني صغيراً في الإمكانيات- الصعود لأكبر المنابر عبر العلاقات الاجتماعية -المُهمّة- لكن احذر من الارتقاء بشكل مُتسارع فلا يُمكنك عزيزي أن تكون -باسم الكربلائي- في ليلة وضُحاها، لن تكون السيّد حسن الكربلائي بمجرّد تقليدك لطريقته وأسلوبه، كذلك لن تكون أيّ منهم فقط لأنّك قررت الدخول الاستديو والاستفادة من كُل الإمكانيات المتوفرة فيه، نعم هُوَ في مرحلة يكون ضرورياً لزيادة الإنتاج الصوتي الحسيني، لكنّك في البداية عليك الثبات والوقوف على أرضية ثابتة، أي صعود السلّم درجة درجة، لا تقفز.
- الشعر يأتي لاحقاً!
عزيزي، إنّ أهم ما تقوم به هوَ نقل المصيبة من الورق إلى الأذهان بصوتك الجميل، لهذا لا تقلل من أهمية التعامل مع شعراء مميزين، تواصل معهم جرّب لا تقل هذا الشاعر مشهور جداً لا يمكنني الوصول له، قد يعطيك بعض القصائد التي كتبها منذ زمن لكنّ هذا الأمر سيعطيك ثقل، كما أنني لا أقول لك بأن تغفل عن الشعراء الشباب المميزين، لكن لا ترمي بكامل ثقلك عليهم، هُم رائعين وسيكونون معك طوال الطريق ولكن هُناك شعراء لامعين جداً أنت بحاجة للتواصل معهم، الشعر يأتي أولاً عزيزي. كلماتك التي تُلقيها على مسامعنا إن كانت غريبة ولا تلائم الذوق العام فأنتَ حكمت على نفسك بالتهميش من قِبل الجماهير.
- ما رأيك لو قرأت قصيدة “العلم عالقاع يا حيدر” الخاصّة بالرادود الحسنيي “باسم الكربلائي”؟
من يُشير عليكَ بهذا الأمر لا يقدّر قدراتك، ولا يعرف بأنّ هذه القصيدة عالقة في أذهان الجماهير بصوتٍ جميل مُخلّد، لا تُقدم على هذه الخطوة إلا إذا كُنت تعرف قدرتك على إزاحة هذا الصوت من أذهانهم لأنك غالباً ستسقط في هذا الاختبار ولا مانع من التدرّب بقراءة هذه القصائد، لكن أتمنّى منك أن لا تكون مجرّد نسخة مشوّهة من القصائد الجميلة، وفي هذه النقطة أدعو لكم جميعاً فالطريق صعب جداً فرواديد هذا الزمن رفعوا المعيار، والسقف عالٍ، لا تهرب واسعَ وتدرّب،. فأنت فريد بصوتك، بأسلوبك. وتذكّر بأنّك بحاجة لجهد كبير وعمل متكامل.
تُريد سراً -إليك هذا السّر-: بعض الرواديد يمارسون رياضة السباحة والغوص لتمرين “أنفاسهم” وهذا الأمر يعطيهم مع الوقت قدرة على التحكّم في طريقة إخراج الكلمات من صدروهم، وبعضهم يمارس رياضة كُرة القدم مع بعض الأصدقاء لزيادة معدّل ضربات القلب ورفعها إلى مستوى جيّد. لا أقول بأنّ هذه الطُرق هيَ الوحيدة، ولكنّها من الطُرق، ابتكر كُن مبدعاً في هذه الأمور.
- الاعلام الحديث وبعض الأمور الأخرى ..
الإعلام الحديث ساهم في الكثير من الأمور ومنها انتشار صوتيات الرواديد الشباب، الذين لم نتمكن من حضور مجالسهم، لهذا حاول التواجد في هذا الإعلام بشكل لائق، ولا ترمي بكل شيء في سلّة واحدة، على سبيل المثال لا الحصر: في مجال الفيديوهات استخدم YouTube واستخدم Vimeo وكذلك حاول التواجد على Daily Motion تحسباً لأي طارئ ممكن يحصل على أحد المواقع المذكورة وهيَ الأشهر في العالم حالياً، لا يُمكنني استبعاد توقّف أحدهم عن العمل في وقتٍ ما، لهذا تواجدك على أكثر من منصّة يعطيك قدرة على التواجد الدائم مع الجمهور، وعندما تتواصل مع هذا الجمهور ليكن تواصلك ذكياً، لا تتفاعل مع الأحداث كما يتفاعل المستخدم العادي، فأنت شخصية مُؤثّرة.
أخلاقك في التعامل الاجتماعي مع المُحيط الذي تعيش فيه أمر مُهم فأنت انعكاس لتربية المنبر الحسيني المقدّس، لا تتفوّه بألفاظ لا تليق بك -وحاشى لك أن تتفوّه- كُن مميزاً صاحب “كاريزما”، فالغَد ابن اليوم، إن كُنتَ مميزاً اليوم فأنت في الغالب مميّز في يوم غد، لا تتكبّر وأخلص للحُسين (عليه السلام)، فهوَ صاحب الفضل الأكبر في شخصية وبناء هذه الشخصية.
- صناعة الرادود الحسيني
العوامل التي سبق وكتبتها، في هذا المقال تصنع جزء من شخصيتك، وتذكّر بأنّك المعنيّ الأوّل بمُحيطك، فأنت القادر على اختيار المُحيط الذي يلتفّ حولك، وجود المبدعين مُهم جداً وكذلك وجود المخلصين الذين يقوّمون عطاءك مُهم، وكُل هذه الأمور لا تعني شيء إن لم يتقبّل الإمام الحسين (عليه السلام) كُل عملك، فليكن إخلاصك له لتُشاهد التوفيقات الغيبية، ولا تعتقد بأنّك بالصوت وحده يمكنك أن تكون رادود حسيني، ولا تعتقد بأن دعم الأصدقاء كافٍ، تذكّر: الأمور مترابطة وهيَ رحلة حياة متكاملة. فلا تغفل وفي كُل فترة راجع نفسك، والأفضل أن تُراجعها يومياً.
××
أسأل من الله التوفيق لجميع الرواديد، وأسأل من الله لهم عظيم الإخلاص في خدمة الإمام الحسين (عليه السلام)، وأسأل من الله أن تكون هذه الرسالة خريطة بسيطة لنسميها خريطة بداية، تساهم بشكل ما في صناعة رادود مميّز.
أحسنت
اللهم صل على محمد و آل محمد
موضوع مهم جداً ، أن يمتلك الرادود الحسيني أخلاق حميدة و جميلة
كي يكون قدوة للجمهور ، و أدعو الله أن يوفق جميع الرواديد الذين يخدمون رسول الله و أهل البيت (عليهم السلام)
مقال جميل جدااا
سلمت الانامل اللتي كتبت ولكم جزيل الشكر والتقدير والثواب