أينَ أخبّئ صرخاتي؟ كيف أمسح دمعاتي؟ صرخاتي هزيم رعدٍ يكرر نفسه في كُل مصيبة، دمعاتيَ خناجر خرجت من عيني لتوسم خدّي بالجروح. يحيط بيَ منظر القتلى وأشلاؤهم المتناثرة بعد الصلاة، صاروا تعقيبات واجبة!، تحيطني لقطات الأمهات الفاقدات أتذكّر لحظة “يمّه ذكريني من تمر زفّة شباب” ولا تخرج من خيالي لحظة “لا ليلي ليل الناس لا تغمض العين”، إن القَتل مزّقنا فيما مضى ولا يزال، واجتمعنا على مائدة التضرّع والنداء بحق من هوَ المُضطر المُجاب إذا دعاه.
لأنني لا أقوى على الكلام نزفتُ حروفاً، ألملم جروحاً تهاوت فوق فوّهة الألم، وكُل مساحات وجودي مُغطّاة بزهرة التوليب المقلوبة، أنحني لكثرة الدماء أموت ومن ثم أعود لأمارس الحياة البشرية التي أعرفها، كلّما عصفت ذكرى أو حادث يجرجر الماضي حوادثه ليحضر أمام عيني غضاً طرياً، أشاهد شُهداء “سبايكر” وهُم يتساقطون في الماء وأنصت لنداء “ياحسين” مع كُل دويّ، لا أعرفني في كُل كارثة، تارةً أجدني في مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) أمسكُ بيد ذلك الباكي، أمسح على رأس طفل، والتغاريد تنادي “احنا غير حسين ما عدنا وسيلة”، تتحضّر الدماء للحضور في مشهدها البطولي هُناك في ساحة حُماة الصلاة. هذه الذكريات لا تتوقف، مع كُل مشهد قتل تصل إليّ وفي يدها الكثير من الذكريات الأخرى .. صدى تمزّق الحناجر التي نادت “ياحُسين”.
هذه الحياة التي كُتبت علينا نحن أبناء سلالة الناجين من طوفان نوح (عليه السلام)، حياة ملأى بالفوضى، طوفان حُزن يحتوينا، يخترقنا يشتت أفكارنا، لكنه يعيد تحريك انتظارنا الغارق بالكلمات المُلهمة، فتجدنا نهتف “أينَ مُعزُّ الأولياء” ولا شيء يوقف جريان الحروف على ألسنتنا، نستلهم قوّة الحُروف والكلمات، نتشبّث بهذا الجبروت، وننادي “بنفسي أنت أمنية شائق يتمنّى” فكل الأماني مُعلّقة على شُباك عين الحياة، وسرّها الرحيم، فمن بعد التيه سنعود إلى الحياة، من بعد الضياع سنُوجَد من جديد، سنعيش لحظات العقل الكامل، ستنصهر العذابات وتبقى “آه يحسين ومصابه” منحوتة في الوجدان.
لأنّ الكتابة أقوى، ولأن الحرف منحوتٌ على سفينة نوح، سأبقى أكتب إلى أن أرحل وتبقى حروفي معكم.