أفكاري

أعرفُ رجلاً

أعرفُ رجلاً من بني هاشم هزَم قصر الإمارة القابع في الكوفة، هذا الرجل لم يخضع. لم ينحني لهم، حاولوا اخماد صوته إلا أنّه اعتلى. ارتقى. صال وجال في ساحة التاريخ، ترك اسماً نقياً لم تشبه شائبه. قالوا في زمنٍ ما أن القصور أبقى من البشر، إلا أنّ هذا القول كُسر مرّات ومرّات، تبقى أسماء العُظماء ويُبلى البناء الطيني/ الحجري، لا تموت الأفعال، لا تموت الأسماء. بقيَ مُسلم بن عقيل (عليه السلام) محفوراً في القلوب. مُسلم هوَ الرجل الذي هزَم القصر.

تكبيرة الموت صدحت باسمه في الكوفة، ما هيَ قيمة الحياة أمام الحُسين (عليه السلام)، مُسلم بن عقيل (عليه السلام) “السفير” الذي هوَ منه. لم يترك الموت يأخذه اعتباطاً، بل هاجم الموت بكل جُرأة، وتقدّم ليكون أحد المستشهدين في خِدمة الإمام الحُسين (عليه السلام)، حتّى وإن كان على مسافة أشهر، تسلل الموت خلسة من خلفه، قضم بأسنانه على حياة ابن عقيل، غُصّة تعلقت بحبال روحه، حشرجة تأبى الظهور على سطح الإمارة، لا تحمله خطواته المُثقلة ليتّجه ناحية الحُسين (عليه السلام) أومأ برأسه، أشار، سلّم السلام الأوفى، بيقين العارف العالم، أرسل الرسالة الأخيرة، بأنين تهشّمت له حيطان قصر الإمارة بصوتٍ يتقطّع بأنفاسٍ مخنوقة طريق خروجها ودخولها مكسّر، مُهشّم، مليء بالعظم المسحوق، والدماء، إلا أنّه نطق السلام الخالد “السلامُ عليك يا أبا عبدالله الحُسين”.

هذا السلام العظيم وصلَ مكسوراً مليئاً بالدماء النازفة، مليئاً برائحة التُراب بصورة مُسلم وهوَ يُرمى من فوق قصر الإمارة؛ وهوَ يُسحل في أسواق الكوفة، “السلامُ عليك … ” ودمعة عظيمة نزفت حافرة أخدود عميق في وجه مُسلم، هوَ الفقيه الذي قيّده الاسلام من الفتك، هوَ العارف بما سيجري على جسد الحُسين (عليه السلام)، وصل السلامُ بشكلٍ واضح على رأس حميدة، أيتمها هذا السلام الدامي، بمجرّد أن مسح على رأسها حتّى شاهدت تلك اللحظة التي هوى فيها والدها/ حبيبها على الأرض، تلك اللحظات القصيرة طالت وامتدت في خيالها حتّى تساءلت وبكت وأبكت، اليُتم الحارق أطلّ برأسه فوق قافلة الحُسين (عليه السلام).

××

ليالي عاشوراء، تُفلتني من جسمي، تُجبرني على السفر ألف عامٍ وبعض، لأبكي، لأدُمي، لأضجّ، لأشعر.

نُشرت بواسطة حسين مكي المتروك

رأي واحد حول “أعرفُ رجلاً”

  1. hashim1984 يقول:

    السلام على سفير الإمام الحسين الشهيد سيدنا مسلم بن عقيل .. مأجورين

ضع تعقيباً ..