نستيقظ في الصباح نغسل وجوهنا نبحث عن تبديل جلودنا، نرتدي أجمل الثياب لنُغيّب شيء من سيئات الأمس، نُعطي كُل خطوة مُثقلة بالذكريات حقّها لحظة المشي، نبحث في الصحف عن كُل أشكال الجمال المُدّعى، نهرب من صفحات الرثاء خوف الموت، وأحياناً نُطالع فيها رغبة في إثراء أحزاننا أو رغبة في تعظيم مكانتنا الاجتماعية عبر مُجاملة صغيرة، ونشرب الشاي الساخن ونأكل شيئاً من الخُبز الدافئ بعد أن ندهنه بشيء من “الجبن القابل للدهن”، نخرج بعدها إلى الطرقات نبحث عن شيء لا نعرفه.
هكذا مُلطّخين بالكذب، والخديعة، نخترق كُل الأخلاقيات وندوس على مبادئنا لنصل إلى أهدافنا، نمزّق كل فكرة تبنيناها، ولكن كُل هذا يكون في غُرفة مُغلقة بعيدة عن الأعين، نتعاون مع الآخرين وفق مبدأ (تُعطيني كُرسياً، أعطيك موقفاً)، نختار مصالحنا الشخصية، ونسحق الآخرين مُتناسين كُل شيء في لحظة مَجد، وبعدها نعود إلى ارتداء القناع القبيح.
يوم الصدق العالمي، هوَ يوم مُقترح، كما يوجد يوم للمزاح العالمي باستخدام الكذب في بداية شهر أبريل، يوم الصدق هوَ يوم مُختلف كُل الاختلاف، ففيه نكشف عن وجوهنا الحقيقية، عن البؤس والرغبة بالانتقام، عن ألفاظنا المُخَبّأة منذ زمن في أفواهنا، نكشف فيه عن الوجه الآخر الذي نُزيّنه باستمرار بالكذب والخداع والنفاق الاجتماعي، نكشف في هذا اليوم عن مشاعرنا الحقيقيّة اتجاه الأشياء والأشخاص والأفكار، لا نخاف فيه من السطوة الاجتماعية، من جنون العالم المُحيط بنا، لا نفكّر بشيء سوى .. الصدق.
في مثل ذلك اليوم لنكشف للعالم عن صفقاتنا التي تمّت في غُرف مُغلقة، ليفهم العالم حقيقة ما يحصل، لنكتب كتاباً جارحاً، ونرشّ فوقه الملح لنشعر بما صنعنا في أيّام الزيف العديدة، لنُخبر الآخرين كم هُم تافهي التفكير وكم نحن نُشبههم، كم هُم مُترفين ونحن مثلهم، نتحدّث في أمور لا تُهم المزارعين، لا تُهم الفقراء والمساكين، لا تُهم إلا من هُم على شاكلتهم المُترفين.
في مثل ذلك اليوم لنقدّم الوردة الحمراء لكُل من يستحقها –بعد أن يكشف عن وجهه-، لنُعطي كُل من أظهر أخلاقياته التي غرسها في قلبه وعقله هديّة ثمينة، في مثل ذلك اليوم لنعطي من يستحق الحُب كُل الحب، لأنّ الحُب الحقيقي لا يُكتشف إلا بعد أن يخلع الأطراف ثياب الخداع والدجل والمصالح المُختلفة، فالحُب مُخادع يصنع الأوهام إذا ما فشلنا في التعامل معه.
لتَكُن هذه الحياة مليئة بالصدق، بعيداً عن الكذب.
أحسنت .. الصدق من الصفات الجميلة