“كان يجلس هُنا سماحة السيّد” .. بمثل هذه العبارة نطلق لأنفسنا الحرية بالولوج إلى عالم الذكريات، نطلق العنان لأنفسنا، نسمح للبكاء بالهطول ليسقي الأرض ذكرى طيبة، قبل سنين كانت الحياة أروع مما هي الآن، لأنها احتوت على شخصية مُفكّرة قادرة على احتواء المشاكل والمعضلات التي تعصف بمن يتحلقون حولها، هذه الشخصية الفريدة جداً لم تكن تقبل بأنصاف الحلول، معها كُنّا بخير.
إن نبأ رحيل سماحة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي عن عالمنا لا يزال يحمل في طياته الكثير من الأسرار، الكثير من التحليلات التي تقود للعديد من الأماكن، وإن خطاب سماحة المرجع آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي كان يحمل في طياته الكثير من الكلمات المخبوءة خلف الكلمات، وأنا لم أكن مصدقاً، لم أكن واعياً حينها!، هل حقاً الشخصية التي ننعاها هيَ الشخصية التي أحببناها بصدق! هي الشخصية التي علمتنا كثير وأعطتنا الكثير، هل حقاً نحن ننعى صاحب العلم الكبير والأخلاق العالية! لم أكن مُصدقاً ولا أزال مُكذباً لهذا الخبر، فالسيّد محمد رضا حيّ بعلمه، حيّ بسيرته العطرة، حيّ بتعاليمه التي نقلها لنا.
لا نزال نحن مُحبي هذا الإنسان نتألم ما أن يُذكر اسمه أمامنا، قد يقال عاطفيين، ولكننا ارتبطنا به ارتباط الأخوة، الصداقة، المحبة، كان أستاذنا وكنا تلاميذه، هذا الإنسان لا يمكننا وصفه، من رآه والتقى به هو من يشعر بقداسة هذا الرجل العظيم، كان الماضي الرائع في صيغة إنسان حاضر معنا، ومن يفقد الأخ يشعر بتلك الغصّة التي نشعر بها، ومن يفقد الصديق يعرف الحُرقة التي تعترينا ما أن يُذكر اسمه، ومن يفقد المحبوب يعرف كيف حال المُحب، ومن يرحل عنه أستاذ يتفهّم حسرة التلاميذ، كان مُختلفاً يبثّ الأمل بشكل مُختلف، لازلت أذكر لقائي الأخير به، كيف كان هادئاً، كيف كان بطيئاً في استخراج الحروف من فمه، كيف كان ينتبه لكل واحد فينا، لازلت أذكر جوابه على السؤال الذي حفّزني لبذل المزيد .. “إلا علوا” الكلمة التي أطلقتها مولاتنا السيّدة زينب بنت علي (عليها السلام)، كان شمعة تُنير الدروب.
أنا مِن مَن يؤمنون بأنّ الموت لم يخطفه، بل من قتله خطفه منّا.
—
ويبقى السؤال، هل دخلوا ولم يُك استئذان؟