الغَد، مُؤلم، الأمس أكثر ألماً، اليوم .. مُفجع!
وَجع خالص، وحالة جديدة في صحراء البلاد العربيّة، وكثيرٌ من جَزع، وشرايين تبحث عن الانفجار تفجّعاً، ما الغياب هُنا إلا تغييب، ما الصمت هُنا إلا آهةٌ سرمديّة، قافلة سبايا تجاهلت الزمن ودقّات الساعات، وأوقفت أرواحها تحرس أجساداً اختلست منها الأرواح، كُل من في القافلة كانوا على استعداد لدفع ضوء العين لتبقى عيني “العبّاس” سليمة، وكانوا على استعداد لدفع دمُ المناحر، ليبقى نحرُ “الرضيع” بلا سهم، كُلهم كانوا على استعداد لبذل النفس حتّى لا يرحل “الحُسين” مقتولاً مُهشّم الأضلاع!، كانت قافلة تتكوّن من أطفال، نساء ورجلٌ فريد .. يحمل على عاتقه (الاسلام) بكُل ثقلة، بكل جراحه.
في الشام كانت الحكاية كالتالي: الكُل يتسوّل نظرة على النساء!، البعض فَرِح لاعتلاء رأس “القاسم” فوق الرماح!، البَعض .. رمى الرؤوس المَرفوعة فوق السنان بأحجار .. ليشاركوا القوم الانتصار، وهُنا أعلامٌ ملوّنة رُسمَ عليها شعارٌ مجهول المصدر!، وزينة علّقت في الطرقات، وطبول قُرعت لتُعلن يوم انتصار الشياطين على الإنسان، ورقص يثير الغثيان، وشيءٌ من بُكاء خلف الستار، كان أشبه بالحُلم، إلا أنّه لا يُمكن إيقافه، بل لا يُمكن وصفه، لا بل أقسى، لا يُمكن تأويله، هوَ حقيقة نقيّة، لا يُمكن التلاعب بها، بين السبايا كانت امرأة مُختلفة، لم يُرَ لها وجه، ولم يسمع لها صوت، بل لم يُشاهد ظلّها فيما مضى، هيَ الآن تجمع الأطفال، تهمس بآذانهم، أمام الأعين بزغَت وكانت ابنة “عليّ” لا تهاب الموت، تستهين به، تُشكك بجدواه في اخماد صوت (الاسلام) القابع في قلوب آل النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، تهزأ بفكرة الطُغاة عنه، هوَ رحمة ونقمة، هوَ سعادة وهَم، كُل ما في الأمر، أنّها كانت تعلم ما تصنع، ما تقول، كانت تعرف كُل المعرفة، أنّ الحَق لا يُمكن أن يموت.
وقفوا أمام بوّابة السّاعات، ينظر إليهم القاصي والداني، يبحث فيهم عن مُجرمين، يشتمهم، يغلق أنفه ويُبعد عينه، فرائحة الدَم كانت تسبقهم، ومنظر الغبار فوق رؤوسهم يثير شيئاً في أنفس المُترفين، والجموع تتقاطر من كل جانب، لتنظر إلى وجهِ الأطفال الباكي، -بعضهم- لم يكن يعلم بأنّهم يناظرون روح “مُحمّد -صلى الله عليه وآله-“، كان هذا الـ -بعضهم- طفل، فُطر على السؤال:
– من أي البلاد أنتم؟
– من مدينة رسول الله.
– أتعرفون بيت “علي بن أبي طالب”.
– نعرفه ..
– أتعرفون عمّي “العبّاس” ..
– ذلك هوَ، فوق الرماح!.
– كانت لي عمّة اسمها زينب .. أتعرفينها يا سيّدة؟
– هيَ أنا ..
ما الدماء؟ ما الخوف؟ ما الموت؟ ما الحُب؟ ما الحياة؟ كُلّها تُرمى في كفّة وهذه العَظمة في كفّة أخرى، ما الجميل الذي رأته؟ هيَ واللهِ أعلم .. ما الروح؟ ما النور؟ ما الصبر؟ زينب بنتُ عليّ سبيّة في بلاد المسلمين!.
مؤلم.. ملهم.. احسنتم