أحياناً نشعر أننا نسكن في منفى كبير، لا نقوى فيه على الحَراك أو الكلام، ونبقى حبيسي حرارة صُدورنا ولهيب دموعنا، فلا نتمكن من إلقاء وردة فوق قبر من نُحب لأنّ البعض يعتبرنا مُشركين!، نغرق في زُرقة السماء، ونغوص في أعماق البِحار، نبحث عن ما يُثير الأمل في حياتنا، فالدِفءُ هجرنا منذُ ما يجاوز الألف عام، وكثيرٌ منّا قرر الهِجرة إلى العالم الآخر.
للبقيع جُرحٌ لا يندمل، كُن منصفاً، وقف على قبور العُظماء في أمّتك وانظر إلى حالها بعد أن طالتها يد الهدم مرّتين متتاليتين، وفي كلّ مرّة بحجّة، كما قتلوا الإمام الحُسين (عليه السلام) من قبلها في كربلاء بحُجّة الإصلاح!، وقبلها حاربوا علياً ورفعوا الرماح وفوقها القرآن، هكذا هُم مُخادعين يحاولون طمس كلّ ما هوَ مُتصل بمُحمّد وآله عبر مرّ العصور، ولولا خوفهم لطغوا وأزالوا القبّة النورانية الخضراء التي تعتلي قبر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)!.
في أحد الأعوام كُنّا في ضيافة مدينة رسول الله مُحمّد (صلى الله عليه وآله) وكانت الأجواء شبابية، وقررنا زيارة البقيع الغرقد وقبر أسد الله حمزة والمساجد السبعة -عندما كانت موجودة!-، إلا أنّ الكثير من الشباب كانت الزيارة الأولى لهم وهُم لم يكونوا يعرفون أنّ البُكاء على الأحباب مُحرّم هُنا، بل وقد يركلك أحدهم فقط لأنّك بكيت! -حصل هذا الأمر- وللأسف أنّ من يقف مُدعياً أنّه الدستور في تلك البُقعة لا يلتفت إلى قُربه من مرقد خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) فيستخدم ألفاظاً غريبة كـ (شرك) وغيرها في حقّ مسلمين مُوحدّين أحبّوا رسول الله وآله! ولا تشعر بأنّه يفقه الأخلاق الإسلامية بأي شكل من الأشكال، وما إن تدخل مقبرة البقيع حتّى تنسدل الدموع منك دون إرادة، وتحترق عيناك وتستعد للانفجار فترى العيون حمراء، وذلك الواقف هُناك يشير إلى هذا وذاك بالكَف عن القراءة من الدفاتر وهيَ كـ (مفاتيح الجنان) و(الدعاء والزيارة)، وأحياناً يصل الأمر لخطف الكتاب من يدك والاحتفاظ به في جيبه الجانبي وهُم بذلك في نظرهم – يحررونك – !، تُشاهد مقبرة البقيع وهيَ صفراء لا شيء يعلوها إلا طيور – والحمدلله لم يقتلوا هذه الطيور-، وما إن تذهب إلى قبر الحَمزة (عليه السلام) حتّى تستمع إلى ذلك المُناظر الوحيد الذي يحاول منعك من قول (السلامُ عليكَ يا أسد الله)! رغمَ أنّ الحمزة في العقيدة الإسلامية من الذين تشملهم الآية الكريمة (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، وما إن تصل إلى المساجد السبعة حتّى تراها مُغلقة بالكامل! .. لا شيء كما كان أبداً.
في #يوم_البقيع_العالمي لا نُطالب بأمر خطير، بل نُطالب بإعادة إعمار البقيع، فلو بحثتم قليلاً لوجدتهم أنّ البقيع كانت فيه القباب، وهُدّمت في الثامن من شهر شوّال في سنة 1344هـ، فلنقرأ التاريخ قليلاً لنفهم، وإن كانت الحُجّة بالبناء فوق القبور فهذه المسألة تمّت مناقشتها المرّات والمرّات، وليعلم بعض التُبّع الذين يُرددون كلمة أنّنا نَعبد القبور أننا نعبد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء.
أدعوكم لقراءة الخُطبة الأولى من خُطب نهج البلاغة، ويمكنكم تحميل الملف PDF للكتاب بشرح السيّد محمد الحسيني الشيرازي -قدّس سرّه- (مُقدّم من شبكة الفكر).
××
كما أدعوكم لمشاهدة هذا المقطع للشيخ متولّى الشعراوي في حديث حول بناء المساجد حول القبور ..
httpv://www.youtube.com/watch?v=gRCU6FlV3m4