إنّ الرّب وهبنا قُدرة على السفر بقوّة الخيال، فلا تبخلوا على أنفسكم في هذه الليلة، استخدموا هذه الطاقة الرهيبة، وحلّقوا وارحلوا إلى الوراء، أغمضوا العيون، شاهدوا بعين البصيرة، ولا تقلقوا فإنكم ستصلون إلى معشوقكم لا محالة، تحسّسوا الحيطان التُرابية، إنها ترتجف، ضعوا أيديكم على الأرض، وأنصتوا أما تسمعون صوت البكاء وهوَ يتنقّل بين الذرّات؟ لا تبحثوا كثيراً، فقط شاهدوا كلّ هذه الآثار، إنها الأقدام الصغيرة، وقطراتٌ من لبن مسكوب، إنها هدايا الأيتام لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، هُم واقفين عند داره، يترقّبون خبر شفائه، حاسري الرؤوس، حُفاة، مُرقعةٌ ثيابهم بيديه الشريفة، إنهم أيتامُ عليّ، وقفوا هُنا يبحثون عن نظرة منه، تُطمئن قلوبهم، لأنه ذلك الرجل الذي حضر في الليالي الحالكة ليَطبُخ ليتيم وجبة العشاء، لأنّه ذلك الرجل الذي قرّر أن لا ينام لينام أطفال الإسلام بسعادة، لأنه الذي يبكي لبُكائهم، إنّه الأب الذي قرّر النوم للأبد.
ها هيَ ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك من العام الأربعين من تاريخ هجرة النبّي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ها هيَ تُرخي ستائر الليل، وتُخفي الشمس، وتُحارب خيوط النور، إنها الليلة التي يودّع فيها عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بنيه، إنها ليلةٌ مُثقلة بالحُزن، نبضاتها مُترنّحة لا تجد مجالاً للاستقامة، فالوداع الأخير، يعني أن نثمل ونحن نبكي، وندخل في عالم اللاوعي، ونبكي، ونسقي الأرض دمعاً طاهراً، وبعدها نُشعل العيون بنيران الفقد، لكي لا نُبصر شيئاً، فدمعة مِحور الأحزان زينب، أطهر من أن تُرى، وصوتها أعظم من أن يُسمع، ونورها أجمل من أن يُرى، ستشعرون ببُكائها وترتجفون.
سيُغادرنا الإمام الأب، تاركاً يدُ العبّاس مُعانقة يد زينب، ومُهدياً للحسن كلّ الوصايا، ومُفجّراً دمعة الخلود على الحُسين، ونحن نطلّ من نافذة الحُزن، لنُشاهد النور الذي لا انطفاء له!، يرحل ليُلاقي الأمّة غداً.
في مثل هذا الليل، شقّت السماوات صدرها، تنتظر علياً، وأمّا إمامُنا، فهوَ مُشتاق للقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مُشتاق إلى المكسّرة الأضلاع فاطمة الزهراء، تارة ينظر إلى بنيه وتارة يُغمض عينيه، والنواح من حوله يتعالى، وحروفه الأخيرة لا تتجرأ على الخروج من فمه، لكنّه المؤمن رحمة الرّب الجليل، أدار وجهه ناحية الأبناء وقال: “أستودعكم الله جميعاً، سدّدكم الله جميعاً، وحفظكم الله جميعاً، الله خليفتي عليكم، وكفى بالله خليفة” وتعالت الصيحات، فأكمل، “أشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، رفقاً بي ملائكة ربّي” فعرق جبينه وسكن أنينه وأغمض عينيه وأسبل يديه ومدّد رجليه، وارتحلت روحه إلى بارئها، وساد البُكاء، واسوّد الفضاء، وانقبضت القلوب، واحتلّت بُردة الأحزان كلّ الدُنيا، إنّها ليلة رحيل عليّ .. وداعاً يا علي، وداعاً يا أبي، روحي وأرواح العالمين لك الفداء.
××
عظّم الله أجورنا وأجوركم يا شيعة عليّ (عليه السلام) في حبيب قلوبنا، إمامُنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
××
[box title=”مُلاحظة عابرة” type=”warning” width=”600px” ] بالأمس كانت هُناك محاولة لاختراق الموقع، لستُ أدري ما السبب، ولكنّ إن كان السبب هوَ مقالاتي المكتوبة باسم أهل البيت (عليهم السلام) فليعلم من حاول الإختراق أنني لن أتوقّف عن الكتابة حول محمّد وآله صلوات الله عليهم أجمعين، وعُذراً على تعطّل الموقع بالأمس.[/box]
بسمه سبحانه..
آجرك الله فقد حدّرت دمع اليتم من آماقنا على فقد أبينا علي عليه السلام..
لقد سافرت على جنح الخيال كما قلت لنا..سفرٌ بلا قيود ولا حدود..فرأيته عليه السلام في تلك الخربة مع ذاك الضرير العليل يطعمه ويداويه وينظف مكانه ويمدده على فراشه..ورأيت ذلك الضرير الذي ذاق برد الحياة من تلكم الكفين سائرا نحو قبر ذلك الحنان بقدمين مثقلتين وقلبٍ متصدع من عظم الفجيعة..ليلقي نفسه عليه..ويسلم الروح عنده..
كلنا ذاك الضرير العليل فلا حياة لنا من بعد فقدك ياعلي..
عجلّ الله فرج إمام زماننا..
عظم الله أجرك.. وأدام ببكاء العشق العلوي منك هذا المداد..
وفقيرة أبقى لدعائك
أجرنا وأجركم،
وأبقاك ربّي باكياً على عليّ وأبنائه عليهم السلام.
واصلوا الدعاء لتعجيل فرج إمام زماننا.
هذآ عليٌّ ومن مثل عليّ ؟!
لم يشتكي منه ، من النآس أحد !!
في كلّ شيء تجمعنآ أنت يآ “عليّ”
فَ كلنآ يتآمآه ، و صوتنآ في هذه الفجيعة موحد بِ ” وآ عليّآه ”
عظم الله لكم الأجر بِ فقد الولي ، عظم الله لكم الأجر بِ سيدنآ علي !!
(إنّ الرّب وهبنا قُدرة على السفر بقوّة الخيال، فلا تبخلوا على أنفسكم في هذه الليلة، استخدموا هذه الطاقة الرهيبة، وحلّقوا وارحلوا إلى الوراء، أغمضوا العيون، شاهدوا بعين البصيرة، ولا تقلقوا فإنكم ستصلون إلى معشوقكم لا محالة، تحسّسوا الحيطان التُرابية، إنها ترتجف، ضعوا أيديكم على الأرض، وأنصتوا أما تسمعون صوت البكاء وهوَ يتنقّل بين الذرّات؟ لا تبحثوا كثيراً، فقط شاهدوا كلّ هذه الآثار، )
فقط هذه الكلمات كفيلة بأن تنقلنا الى حرم المولى علي (ع) …
سلمت يداك..